للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجْهَهُ- فاعتضد به الحديث، وبه قَالَ أبو حنيفةَ وأحْمَدُ -رحمهما الله، وعن مالك- رحمه الله بأنَّه يسوِّي بينهما في القَسْم كما في النفقة والسُّكْنَى وحقِّ الفسخ بالعَيْب، فإذا طرأ العِتْقُ على الأَمَةِ لم يخل إِمَّا أنْ تكون البِدَايةُ في القَسْم بالحرَّة أو بالأمَةِ:

الحالة الأولى: إذا كانت البداية بِالحُرَّةِ أن يُعْتِقَ الأمَةَ في نَوْبَةِ الحُرَّة أو في نوبة نَفْسِهَا، إن عَتَقَتْ في نَوْبَة الحُرَّة، فيُنْظَرُ إن عتقت في القَدْر المُشْتَرك بَين الحُرَّة والأَمَة، بأن عَتَقَتْ في اللَّيْلَة الأُولَى من لَيْلَتَيِ الحُرَّة، فيتم الليلة ويبيت الليلة الأخرى عند العَتِيقَة، ويسوي بينهما، وإن عَتَقَتْ في الليلة الثانية، لم يلزمْهُ الخروجُ، بل له أن يبيت عند الحُرَّة بقيَّةَ اللَّيْلَة، لكن يبيت بعد ذلك عند العتيقة ليلتَيْنِ أيضاً، ولو خرج في الْحَال، وكان بقية الليْلَةِ في مَسْجِدٍ أو بَيْتِ صديقٍ، لم يلزمْهُ أن يَقْضِيَ ما مَضَى من تلْك الليلة فإن خرج بقية الليلة إلى العتيقة، فقد أحْسَنَ.

وإن عتقت في نوبة نَفْسِهَا، نُظِرَ، إن عَتَقَتْ قبل تمام ليلَتِهَا كَمَلَ لها ليلتين؛ لأنَّهَا الْتَحَقَتْ بالحُرَّة، قبْلَ تَوْفِيَة حقِّهَا، وحكى الحناطي وغيره وجهاً آخَرَ (١)، أنَّها لا تستحِقُّ إلاَّ ليلَة، نَظَراً إلى الابتداءِ، وإن عَتَقَتْ بعْد تمام ليلتها، لم تستحق إكمال ليلتين، ويقتصر في تلك النَّوْبة على تِلْكَ اللَّيْلة، ثم يُسَوِّي بينهما بعد ذلك، وهذه الصُّورةُ قد سَبَق ذكْرُهَا في نكاح المُشْرِكَات استشهاداً، وَهَلِ العِتْقُ في يوْمها التالي للَيْلَتِهَا كعتقها في ليلتها، حُكِيَ فيه وجهان فيما عُلِّقَ عن الإِمام، والظاهر الموافق لكلام الجمهور أنه لا يكون كالعِتْق في الليلة لأنَّه تابعٌ.

الحالة الثانية: إذا كانَتِ البدَايَةُ بالأَمَة فإن عُتِقَتْ في ليلتها صَارَتْ كالحُرَّة، ويُسَوَّى بينهما، وإن عتقت بعْدَ تَمَام نَوْبَتِهَا، فالمذكور في الكتاب أنه يَثْبت بالمبيت عندها ليلتان للحرة فيوفيها ثم يسوي بعد ذلك.

وهذا ما أورده جماعةٌ منْهمُ الإِمَام والمُتَوَلِّي وأبو الفَرَجِ السرخسي، ومنع صاحب "التّهْذِيبِ" من توفية اللَّيْلتَيْن، وقال: إن عتقت في الأولى من ليلتي الحرة أتمها، واقتصر عليها، وإن عتقت في الثانية، خرج من عندها في الحال، وعلى نَحْوٍ من هذا جرى صاحب "المهَذب" والشيخُ أبو حامد وأصحابُهُ وقالوا: إنَّهَا بالعتق تتفاوت الحُرَّة قبل تمام نوبتها فيسوي بينهما، وقوله في الكتاب: "ثُلُثَا القَسْم" معلم بالميم وكذا لثلث، وقوله: "فَلَوْ بَدَأَ بالْحُرَّةِ فَعَتَقَتْ في لَيْلَتهَا أي عَتَقَت الأَمَةُ في ليلة الحُرَّة، والمراد كل واحدة من ليلتَي الَحُرَّة، فإنها على التقديرين تلتحق بالحرة الأصلية.

وقوله: "أَوْ قَبْلَ انْقِضَاءِ لَيْلَةِ الأَمَةِ" يجوز إعلامه بالواو للوجه الذي نقله الحناطي.


(١) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>