ويستريح بالليل فقد حَكَى الحناطي فيه وجهَيْن: في أنه هل يجوز أن يبدل الليل بالنهار، بأن يكون لواحدة ليلةٌ متابعةٌ ونهارٌ متبوعٌ، ولأُخْرَى ليلةٌ متبوعةٌ ونهارٌ تابع؟.
قال الرافِعِيُّ: هذه البقيَّةُ تَشْتَمِلُ على مسألتين هما من مقاصد الفَصْلِ:
إحداهما: في مقدار نُوَب القَسْمِ، وأقلُّهَا أن يقسم ليلةً ليلةً، ولا يجوز تبعيضُ اللَّيْلَة؛ لأنه تنغيص العيش ويُبْطِل الاستئناس، ولأن أجزاء الليل يعسر ضَبْطُهَا، وحكى القاضي ابن كج وجهاً: أنه يجوز تبعيض اللَّيْلَة، وبناء القَسْم على أبعاضها، وحكى الإِمام وجهاً فارقاً بين، أن يَقْسِمَ لكلِّ واحدة بعْضَ ليلةٍ، فلا يجوز وبين أن يَقْسِم لِكُلِّ واحدةٍ ليلةً ونصفاً، فيجوز، لحصول الأُنْسِ إذا انْضَمَّ البعض إلى الليلة الكاملة، بخلاف ما إذا كان وحده، والظاهر الأول، والأَوْلَى ألا يزيدَ على ليلةٍ؛ اقْتِدَاءً برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولِيَقْرُبَ عهده بهن جميعاً ولو قسم ليلتين ليلتين أو ثلاثاً ثلاثاً فيجوز، نصَّ عليه؛ لأن هذه المدة قريبةٌ. وفي وجه، لا تجوز الزِّيَادة على لَيْلَةٍ إِلاَّ برضَاهُنَّ ونسبه أبو الفرج الزاز (١) إلى أبي إسحاق.
وإذا قلنا بالظاهر، فهل تجوز الزيادة على الثلاث قال في المختصر:"وأكْرَهُ مجاوَزَةَ الثَّلاَث"، وذلك محمول عند أكثرهم على المنْع والتحريم، وقالوا: إنَّه موضَّع في "الأم"، ونقلوا عن "الإملاء" أنَّه قال: "يقسم مياومة وَمُشَاهَرة ومسانهة، فحملوه على ما إذا رَضِيْنَ به، ولم يجعلوه قولاً آخر، ومنهم من أثبت في جواز الزيادة قولَيْنِ أو وجْهَيْنِ.
وإذا قلنا بالجواز، فإلى كم يجوز؟ قال الإِمام رحمه الله: لا شك أنَّه لا يجُوزُ أن يبني القَسْم على خَمْسِ سِنِينَ مثَلاً لكن عن صاحب "التقريب" أنه يجوز أن يقْسم سبْعاً سَبْعاً؛ لأن هذه المدة تُسْتَحَقُّ في القسم؛ لِتَجَدُّدِ النِّكَاح، وعن الشيخ أبي محمَّدٍ وغيره: أنَّه يجوز أن يزيد ما لم يبلُغْ مدةُ التَرَبُّصِ في الإِيلاء؛ لأنَّه لا يشُقُّ على المرأة الصبر عن الرَّجُل في هذه المدة، وفيما علق عن الإِمام: أَنه إذا قَسَمَ للحُرَّة ثلاثاً، فيقسم للأمة ليلة ونصفاً لا ليلتين، بخلاف الطلاق وهذا يُحْوِجُهُ إلى الخروج إلى مسْجِدٍ أو بيتِ صديقٍ، ولكن ما ذكره غير مُسَلَّمٍ؛ لما سيأتي فيما إذا نَكَحَ جديدة، وفيه ذكر وجهين في أن