للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا ما جزم به القاضي أبو الطيب وابن الصباغ.

وعن المزني: أنه لا يكون رجوعاً، ويجعل بينهما، ووافقه عليه بعض الأصحاب، واحتج له بأنه لو وكل زيداً ببيع سلعة سماها له، ثم قال: قد وكلت عمراً بما وكلت به زيداً، أنهما يكونان معاً وكيلين في بيعها، ولا يكون توكيل الثاني رجوعاً عن الأول.

قال الماوردي: وهذا فاسد، وحكي أن من أصحابنا من ضاق عليه الفرق، فجعل ذلك رجوعاً عن توكيل الأول.

ومنهم من فرق بأن الوكالة نيابة؛ فيصح أن ينوب كل واحد من الجماعة في كل البيع، والوصية تمليك، ولا يصح أن يملك كل واحد من الموصى لهما كل الموصى به.

قال: وإن أوصى لزيد بشيء، ثم أزال الملك فيه ببيع أو هبة، أو ما في معناهما من عتق وغيره، أو عرضه لزوال الملك؛ بأن دبره، أي: ولم يتعرض في لفظه بذكر الوصية الأولى- كما قال الإمام- أو كاتبه، أو عرضه على البيع، أو أوصى ببيعه، كان ذلك رجوعاً؛ لأن القصد من الوصية حصول الموصي به للموصى له، وهذه الأشياء تنافى المقصود؛ لأنه لا يمكن حصوله بعد وجودها؛ فأبطلت الوصية.

وفائدة القول بأنه رجوع فيما إذا باعه أو وهبه وأقبضه: أنه لو ملكه بعد ذلك، ومات وهو في ملكه، لا يعود حق الموصى له فيه، بخلاف ما إذا وهب من ولده شيئاً، فانتقل عن ملك الابن، ثم عاد إليه فإن له الرجوع على أحد الوجهين، وكذلك إذا باع عيناً، ثم خرجت عن ملك المشتري، ثم اشتراها أيضاً وأفلس، فإن للبائع الرجوع فيها على أحد الوجهين.

قال الماوردي: والفرق أن رجوع الأب والبائع حق لهما، ليس للابن ولا للمفلس إبطاله [عليهما]؛ فكذلك لم يكن بيعهما وعوده إلى ملكهما مانعاً من الرجوع، وليس كذلك الوصية؛ لأن للموصي إبطالها، فإذا بطلت بالبيع لم تعد بالشراء.

<<  <  ج: ص:  >  >>