وكتجرِبةٍ بسيطةٍ، ضَعْ آلةَ تسجيلٍ على النافذةِ المطِلَّةِ على الشارعِ، واجْلسْ مع أخٍ، وتحدّثْ معه في موضوعٍ دقيقٍ مهمٍّ نصفَ ساعةٍ من الزّمَنِ، وبعدَها قلْ: ما الذي حدثَ في الشارعِ حين كنت تتحدَّثُ؟ فيقول: ما سمعتُ شيئاً، افْتحِ المسجّلةََ تسمعُ أصواتاً، وباعةً، وحوادثَ، وصياحاً، كل هذه الأصواتِ أنت ما سمِعتَها، فما تفسيرُ ذلك؟ الصّوتُ دخلَ إلى الغرفةِ، ولامسَ غشاءَ الطّبلِ، واهتزّ غشاءُ الطّبْلِ، ونُقِلَ الصوتُ إلى الدّماغِ، وأنت لم تسمعْهُ! فهذه الظاهرةُ اسمُها الانتباهُ، أيْ إنّ الإنسانَ يركِّزُ انتباهَه على مفهومٍ واحدٍ، في وقتٍ واحدٍ، وقد سمَّى العلماءُ هذه الظاهرةَ الوَعيَ الانتقائيَّ، فالدّماغُ يغلقُ جميعَ منافذِ المعلوماتِ التي لا علاقةَ لها بالموضوعِ المَعنيِّ، يغلقُ منْفذَ السَّمْعِ، ومنفذَ البصَرِ، ومنفذَ الإحساسِ، كلُّ هذه المنافِذ تُغلَقُ، ويبقى الموضوعُ المَعنيُّ مفتوحاً، ويسمحُ الدّماغُ بالمرور للذّكرياتِ ذاتِ العلاقةِ بالموضوع فقط.
كيف يسدُّ الدِّماغُ كلَّ منافذِ المعلوماتِ، ويسمحُ فقط للمعلوماتِ التي لها علاقةٌ بهذا الموضوعِ؟ هذا هو الوَعيُ الانتقائيُّ، الانتباهُ.