ولعلّ اللهَ عزّ وجلّ لم يجعلْه عذباً حتى لا تُنْسِيَ العذوبةُ فيه معنى التعبّدِ عند شُربِهِ، لكنَّ طعمَه على أيِّ حال مقبولٌ، ولقد صدقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حينما قال:"إِنَّ آيَةَ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ إِنَّهُمْ لاَ يَتَضَلَّعُونَ مِنْ زَمْزَمَ".
والآن نسأل: ما المؤسَّساتُ العلميةُ العاليةُ التي كانتْ على عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والتي أعطتْهُ هذه الحقائقَ المدهِشةَ عن ماء زمزمَ؟ ومَن هي هيئاتُ البحوثِ المتخصصةُ التي تَوَصَّلَتْ إلى هذه النتائجِ الدقيقةِ عن هذا الماء؟ وما نوعُ المخابرِ العملاقةِ التي حَلَّلَتْ، واستنتجتْ نِسَبَ أملاحِ المعادنِ في ماءِ زمزمَ بدقةٍ بالغةٍ، والتي اعتمد عليها النبيُّ صلى الله عليه وسلم في أحاديثه عن هذا الماءِ المبارَكِ؟ إنّه الوحيُ، وما ينطق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الهوى، إنْ هو إلا وحيٌ يوحى.
قال الإمام ابن القيم:"وقد جرَّبتُ أنا وغيري مِن الاستشفاءِ بماءِ زمزمَ أموراً عجيبةً، واستشفيتُ بهِ من عِدَّةِ أمراضٍ، فبرأْتُ بإذنِ اللهِ، وشاهدتُ مَن يتغذَّى به الأيامَ ذواتِ العددِ قريباً من نصفِ الشهرِ، أو أكثر، ولا يجدُ جوعاً، ويطوفُ مَعَ الناسِ كَأَحَدِهم، وأخبرني أنّه ربما بَقِيَ عليه أربعين يوماً ... ويصومُ، ويطوفُ مراراً".
نسأل اللهَ أنْ يسقيَنا من حوضِ نبيّه الكريمِ يومَ القيامة، يومَ العطشِ الأكبرِ شربةً لا نظمأُ بعْدَها أبداً.