في القرآنِ الكريمِ إشاراتٌ تَلفِتُ النظرَ، قال تعالى:
{وَأَذِّن فِي الناس بالحج يَأْتُوكَ رِجَالاً وعلى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ}[الحج: ٢٧] .
قد يسأل سائل: لِمَ قال: {مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ} ، ولمْ يقل:"مِن كل فجٍ بعيدٍ؟ ".
قال العلماءُ: إنّ في استعمالِ هذه الكلمةِ - {عَميِقٍ} - مكانَ كلمةِ (بعيدٍ) إشارةً إلى كُرَوِيَةِ الأرضِ، فالخطوطُ على سطحِ الأرضِ ليست مستقيمةً، ولكنها مُنْحَنِيَةٌ، والخطُّ المُنحنِي يحتاج إلى بُعْدٍ ثالثٍ، يحتاجُ إلى سَطْحٍ، وإلى عُمْقٍ، لذلك أشارَ ربُّنا سبحانه وتعالى في هذه الآيةِ إلى أنّ هذه الأرضَ التي نحن عليها هي أرضٌ كرويةُ الشكل.
ولكنَّ الشيءَ الذي يَلفتُ النظرَ أيضاً هو أنّ حكمةَ القرآنِ الكريمِ وفَّقتْ بين معطياتِ العصرِ الذي أُنْزِلَ فيه القرآنُ، ومعطياتِ العصورِ اللاحقةِ.
{أَلَمْ نَجْعَلِ ?لأَرْضَ كِفَاتاً}
يقولُ ربُّنا سبحانه:
{أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض كِفَاتاً * أَحْيَآءً وأمواتا}[المرسلات: ٢٥-٢٦] .
إنّ {كِفَاتاً} مأخوذةٌ من فِعْل كَفَتَ، وكفَتَ يكْفِتهُ كَفْتاً، وكفَّته: ضمَّه وقَبَضَه، فالأرضُ مِن صِفاتِها أنّها تكفِتُ، أي تجذِب، وتضمّ، وتقبضُ، وهذه الآيةُ فيها إشارةٌ واضحةٌ جليّةٌ إلى الجاذبيّةِ، فكلّ شيءٍ على سطحِ الأرضِ ينجذبُ إليها، وما وزنُ الأشياءِ في حقيقةِ الأمرِ إلاّ قوّةُ جذبِها نحو الأرضِ، ووزْنُ الشيءِ يتناسبُ مع حجمِ الأرضِ، فالشيءُ الذي على وجهِ الأرضِ، والذي يزنُ مئة كيلو غرامٍ يزنُ على القمرِ سُدسَ هذا الوزن، والإنسانُ الذي وزنهُ على سطحِ الأرضِ ستّون كيلو غراماً يزنُ على القمرِ عشرةَ كيلو غرامات! فوَزنُ الشيءِ هو قوّة جَذبِه نحو الأرضِ، ووزنُ الشيءِ على سطحِ القمرِ هو قوّةُ جَذْبِه إلى مركزِ القمرِ، فاللهُ تعالى يقول:{أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض كِفَاتاً * أَحْيَآءً وأمواتا} .