عَكَفَ علماءُ الحيوانِ ربعَ قرنٍ على دراسةِ هذا العقربِ، فوجدوا أنّ العقربَ يستطيعُ أنْ يبقى بلا طعامٍ ولا شرابٍ ثلاثَ سنواتٍ متتاليةٍ، ووجدوا أنّ العقربَ يستطيعُ أنْ يكّتمَ أنفاسَه تحتَ الماءِ مدةَ يومين كاملين، ووجدوا أنه إذا وُضِعَ في الثلاجةِ وكانت درجةُ البرودةِ عشرَ درجاتٍ تحت الصفرِ، ثم نُقِلَ إلى رملِ الصحراءِ المحرِقةِ - وهي في درجةٍ ستين - فإنّه يتكيَّف مع هذا التبدُّلِ الطارئ، ثم إنه إذَا وُضِع في حمّامٍ من الجراثيمِ الفظيعةِ لم يتأثَّرْ بها أبداً، وكأنه في حمّامٍ باردٍ، ثم إنهم عرَّضوه لأشعةٍ نوويةٍ تزيدُ ثلاثمئةِ ضعفٍ على ما يتحمَّله الإنسانُ فتحمَّلها، شرَّحوه فإذَا به ليس بذي دمٌ، بل فيه مصلٌ أصفرُ، ماذا يعلِّمنا هذا؟
يعلِّمنا هذا البحثُ أنّ الإنسانَ سريعُ العطبِ، يحتملُ سبعاً وثلاثين درجةً من الحرارةِ، لا يحتمل الأربعينَ، ولا يحتملُ الصفرَ.
أرادَ اللهُ سبحانه وتعالى أنْ يكونَ الإنسانُ حساساً، كان من الممكنِ أن يكونَ كهذا المخلوقِ، فلا يتأثرُ بشيءٍ، ولا يمرضُ، ولكنّ المرضَ نافذةٌ إلى السماءِ تُفتَحُ على الإنسانِ، العقربُ مخلوقٌ صغيرٌ لا أحدَ يأبهُ له، بل نقتلُه إنْ رأيناه، يتمتعُ بهذه الحصانةِ، بم يتأثَّرْ وهو في بؤرةِ الانفجارِ النوويِّ، وبقيَ يمشي.. معنى ذلك أنّ في المرضِ حكمةً تغيبُ عنا أحياناً، كان من الممكنِ، واللهُ على كلِّ شيءٍ قديرٌ، أن نتمتعَ بهذه الحصانةِ، فلا مرضَ، ولا مستثفيات، ولا ارتفاعَ ضغطٍ، ولا مرضَ قلبٍ، ولا رئتين، ولا أورامَ، ولا شيءَ من هذا القَبيلِ.
أراد اللهُ أن يكونَ الإنسانُ معرَّضاً للبلايا والأمراضِ لِما في المرضِ مِن حِكمٍ بالغةٍ، قد تظهر، وقد تخفى، مع أن قدرةَ الله تتعلَّق بأنْ يجعلَ المرءَ في حماية تامَّةٍ من الأمراضِ، وبُعدٍ عن المستشفياتِ، وأمانٍ من الأورام، ولكنّ المرضَ نافذةٌ إلى السماءِ.