في الإنسانِ من ثلاثةٍ إلى أربعةِ ملايين غدةٍ عرقيةٍ، موزَّعةٍ في الجلدِ توزيعاً حكيماً، ففي باطنِ اليدِ مثلاً في السنتمترِ المربعِ أربعمئة وثمانونَ غدةً عرقيةً، هذه الغددُ العرقيةُ لو وُصِلَ بعضُها ببعضٍ لصارَ طولُها خمسةَ كيلومتراتٍ في جسمِ كلٍّ منا، هذه الغددُ العرقيةُ في أيامِ الحرِّ الشديدِ تفرزُ مِن مئتي سنتمترٍ مكعبٍ يومياً، إلى ألفٍ وخمسمئةٍ سنتمترٍ مكعبٍ في الساعةِ الواحدةِ، إذا أفرزَ العرقُ، وانتشرَ على سطحِ الجلدِ الذي تزيدُ مساحتُه في الإنسانِ على مترٍ وثمانيةٍ بالعشرةِ من الأمتارِ المربَّعةِ، هذا الماءُ الذي تفرزُه خلايا العرقِ يتبخَّرُ، ومع التبخُّرِ يحصلُ ما يُسمَّى التبادلَ الحراريَّ، فحينما يتبخّرُ العرقُ يمتصُّ حرارةً من الجسمِ تُعيدُه إلى الدرجةِ الثابتةِ، إنه من أعقدِ أجهزةِ التكييفِ في الكونِ.
وحينما يبردُ الإنسانُ تضيقُ الأوردةُ لتخفِّفَ جَوَلاَنَ الدم في السطحِ الخارجيِّ، ليحافظَ الدمُ على حرارتِه، فإذا شَعَرَ الإنسانُ بالحرِّ اتَّسَعَتِ الشرايينُ والأوردةُ حتى ينتشرَ الدمُ في أوسعِ مساحةٍ في الجلدِ، أما إذا بَرَدَ الإنسانُ فإنّ لونَه يصفرُّ، لأنّ قُطْرَ الأوردةِ والشرايينِ يضيقُ ليبقَى الدمُ في الداخلِ محافظاً على حرارتِه، وحينما يرتجِفُ الإنسانُ، فهذا الارتجافُ يُوَلِّدُ طاقةً حراريةً يعوِّضُ بها ما فَقَدَه في المحيطِ الخارجيِّ، وحينما يقفُ شَعْرُ الإنسانِ يحجزُ هواءً ساخناً بحجمٍ أكبرَ.
فهناك آليةٌ معقدةٌ تتمُّ لو هبطتِ الحرارةُ عن الحدِّ المعقولِ، وهناك آليةٌ معقدةٌ تتمُّ لو ارتفعتِ الحرارةُ عن الحدِّ المعقولِ.
لو أنّ ألفَ سنتمترٍ مكعّبٍ من العرق خرجَ من الإنسانِ لَفَقَدَ من الحرارةِ ما يساوي ألفاً وثلاثمئة سعرٍ حراريٍّ، فهو جهازُ تكييفٍ دقيقٌ، يواجِهُ الحرَّ، ويواجهُ البردَ.
هذه من آياتِ اللهِ الدالَةِ على عظمتِه، واللهُ سبحانه وتعالى يقولُ:{وفي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ}[الذاريات: ٢١] .