إذاً لمَّا كان الحديثُ عن الإنشاء، إنشاءِ السمعِ والأبصارِ قُدِّم السمعُ على البصرِ في سبع عشرةَ آية، وحينَ انصبَّ الحديثُ على فعلِ الإبصارِ، حيث إنّ الصُّوَرَ تراها العينُ قبلَ الصوتِ قُدِّم الإبصارُ على السمعِ، {رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فارجعنا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ}[السجدة: ١٢] ، وأََصْدَقُ شاهدٍ على ذلك زمجرةُ الرعدِ، فترى البرقَ، وبعدَ حينٍ تستمعُ إليهِ، لو رأيْتَ رجلاً من بعيدٍ ينْحتُ حجراً، وقد هوى بالمطرقةِ على الحَجَرِ، فإنه بعد حينٍ تسمعُ صوتَ وقْعِ المطرقةِ على البصرِ.
والآياتُ القليلةُ التي وردَ فيها ذِكْرُ "البصر" قبْل السمعِ هي تلك الآياتُ التي تنذِر بالعقابِ، أو تصف الكافرينَ، وليس في أيٍّ منها إشارةٌ لخلقِ هذين الحِسَّيْنِ، أو لوصفِ وظيفتهما، أو تطوُّرِهما.