والنحلُ يشمُّ رحيقَ الأزهارِ من مسافاتٍ طويلةٍ تزيدُ على عشراتِ الكيلو مترات، ويشمُّ رائحةَ خليّتهِ.
والبعوضةُ تشمُّ رائحةَ عرَقِ الإنسانِ من ستين كيلومتراً، فسبحان الذي أودع في الإنسانِ هذه الحاسَّةَ التي هي حصنٌ وتكريمٌ.
[مركز التذوق في الدماغ]
لقد جعلَ اللهُ جل وعلا على اللسانِ خلايا خاصَّةً، تنتشرُ على شكلِ نتوءاتٍ يمكنُ للإنسانِ مِن خلالِها أن يتذوَّقَ الحلوَ والطيِّبَ من الطعامِ، وأن يلفظَ المرَّ والحامضَ منه، وأن ينهل الماءَ العذبَ الفراتَ، وأن يلفظَ الملحَ الأجاجَ، فمَن وَضَعَ على اللسانِ هذه الخلايا الذوقيةَ؟!، بعضُها يتذوّقُ الحلوَ، وبعضُها المُرَّ، وبعضُها المالحَ، وبعضُها الحامضَ؟!، هذه الخلايا المتوضِّعةُ على اللسانِ موزَّعةٌ في أنحائِهِ، بعضُها في مقدِّمةِ اللسانِ لتذوُّقِ الطعمِ الحلوِ، وبعضُها في مؤخِّرةِ اللسانِ لتذوُّقِ الطعمِ المرِّ، وبعضُها على جوانبِ اللسانِ لتذوُّقِ الطعمِ الحامضِ والمالحِ.
والشيءُ الذي يَلفتُ النظرَ أنّ الخلايا الذوقيةَ المتخصِّصةَ بالطعمِ المرِّ تزيدُ حساسيّتُها عشرةَ آلافِ ضعفٍ على حساسيةِ الخلايا التي تتذوَّقُ الطعمَ الحلوَ، لماذا؟ لأنّ اللهَ جلَّتْ حكمتُه جَعَلَ كلَّ طعامٍ سامٍّ مُؤْذٍ مرَّ المَذاقِ - في الأعمِّ الأغلبِ - هذا التوافقُ توافقٌ حكيمٌ، الطعامُ الذي ينفعُك حلوُ المذاقِ، والذي يؤذيك مرُّ المذاقِ، لذلك كلُّ أنواعِ السمومِ لها طعمٌ مرٌّ، فلئلا يتسمَّمَ الإنسانُ كانتْ حساسيةُ الخلايا المتخصِّصةِ لتذوّقِ الطعمِ المرِّ تزيدُ عشرةَ آلافِ ضعفٍ على حساسيةِ الخلايا المتخصِّصةِ لتذوُّقِ الطعمِ الحلوِ.
الشيءُ الثاني، توافقُ الطعمِ المرِّ مع الضررِ، وتوافقُ الطعمِ المُستساغِ مع الفائدةِ، هذا التوافقُ مِن حكمةِ اللهِ جلَّ وعلا، وهذا اللعابُ الذي في الفمِ يسهمُ بشكلٍ فعَّالٍ جداً في إذابةِ الطعومِ تمهيداً لتذوُّقِها من قِبَلِ الحُلَيماتِ الذوقيةِ المتوضِّعةِ على اللسانِ.