إنّ هذا شيءٌ ترونهُ بأمِّ أعينكم، ضَعوا في الثلاجةِ ماءً في وعاءٍ، وراقبوا حجمَهُ، تَرَوْنَهُ بعد التجمّدِ يزدادُ حجمُهُ، فإذا كانَ في قارورةٍ تنكسر، هذا شيءٌ معروفٌ لدى الإنسان، ولكن ما علاقةُ هذه الخصيصةِ بِوُجودِ الحياةِ على وجهِ الأرضِ؟ فلو أنّ الماءَ إذا تجمّدَ انكمشَ، أي قلَّ حجمُهُ، فزادَتْ كثافتهُ، فغاصَ في أعماقِ البحارِ، يأتي يومٌ تصبحُ جميعُ البحارِ متجمّدةً مِن سطحِها إلى أعماقِها، فإذا تجمّدَتْ انعدم التبخّرُ، وإذا انعدَم التبخّرُ انعدَمَت الأمطارُ، فماتتِ النباتاتُ، ومات الحيوانُ، ومات الإنسانُ، فلو أنّ الماءَ شأنهُ في التمدّدِ والانكماشِ كشأنِ جميعِ العناصرِ التي خَلَقَهَا الله عز وجل، لكانتِ الحياةُ قد انتهَتْ منذ ملايينِ السّنينِ، ولكنّ ازديادَ حجْمِ الماءِ، وتمدُّدَهُ في هذه الدرجةِ الحرجةِ، في درجةِ زائد أربعٍ، هذه الخصيصةُ التي أوْدَعَها اللهُ في الماءِ هي التي تجعلُ الحياةَ مسْتمرّةً على وجْهِ الأرض، فإذا تجمّدتِ المحيطاتُ كان هذا التجمّد باعثاً على ازديادِ حجمِ الماءِ، وإذا ازدادَ حجمهُ قلَّتْ كثافتهُ، وإذا قلَّتْ كثافتهُ طَفَا على وجْهِ الماءِ، فلو ذهبْنَا إلى المحيطاتِ المتجمّدةِ في القطبين لَرَأَيْنا التجمّدَ في الطّبقةِ السّطحيّةِ، وأمَّا في أعماقِ البحرِ فالمياهُ سائلةٌ تَسْبَح فيها الكائناتُ الحيّةُ كما لو أنّها في أماكنَ أخرى.
هل هذه الخصيصةُ التي أوْدَعَها اللهُ في الماءِ هو شيءٌ جاء مصادفةً؟ ولولا هذه الخصيصةُ لَمَا تكلَّم أحدُنا، بل لمَا كانتِ الحياةُ على وجه الأرض.
كلّما تأمَّلْتُمْ في آياتِ اللهِ التي بثّها اللهُ في الأرضِ عَرَفتُم أنّ لهذا الكون خالقاً عظيماً، ومُدبِّراً حكيماً، سميعاً بصيراً، قويّاً، رحيماً، لطيفاً، هذا الكونُ هو الذي يدلّ عليه، كما أن الأقدام تدل على المسير.. أفسماءٌ ذات أبراج، وأرضٌ ذات فِجاجٍ، ألا تَدُلانِ على الحكيمِ الخبيرِ؟!.