ثم توقّعوا أنّه يهتدي إلى أهدافِه عن طريقِ الساحةِ المغناطيسيّةِ التي في الأرضِ، فوضعوا على رأسِه حلقاتٍ حديديّةً ممغْنَطَةً باتجاهاتٍ مختلفةٍ من أجلِ تشويشِ هذه الساحةِ، فاهتدى إلى هدفِه.
ولم تبْقَ عندهم نظريةٌ إلا نُقِضَتْ، فكيف يقطعُ هذا الطائرُ عشراتِ الآلافِ من الأميالِ فوق البحر، وفوق الجبال، وفي الصحراءِ، والوديان؟ وكيف يأخذُ زاويةً باتّجاهِ الهدفِ؟ هذا سرٌّ لا يزالُ يُحَيّرُ عقولَ العلماءِ، وقد قالَ أحدُ العلماء:"إنّ شيئاً ما يوجّهُ الطيورَ إلى موطنِها"، قال تعالى:{قَالَ رَبُّنَا الذي أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى}[طه: ٥٠] .
وأصحُّ تفسيرٍ لهذا الموضوع أنّ الأمر يتعلَّقُ بهدايةِ اللهِ سبحانه وتعالى: قال تعالى: {سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى * الذي خَلَقَ فسوى * والذي قَدَّرَ فهدى}[الأعلى: ١-٣] .
لذلك يُسمِّي علماءُ التوحيدِ هذه الظاهرةَ التي تحيِّرُ العقولَ هدايةَ اللهِ تعالى، ويُسمِّيها علماءُ الحياةِ الغريزةَ، فهي آليّةٌ معقّدةٌ توجدُ عند المخلوقِ دونَ تعلُّمٍ، عملٌ ذكيٌّ، على مراحلَ، ومبرمجٌ، يفعلهُ الحيوانُ بلا تعلّمٍ.
[هجرة الطيور]
قال تعالى:{أَلَمْ يَرَوْاْ إلى الطير مسخرات فِي جَوِّ السمآء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الله إِنَّ فِي ذلك لأيات لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[النحل: ٧٩] ، وقال سبحانه:{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطير فَوْقَهُمْ صافات وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرحمان إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ}[الملك: ١٩] .
هذه الآياتُ ماذا نفعل بها؟ أليسُ فيها حضٌّ على التفكّرِ في السماواتِ والأرضِ؟ أليس فيها حضٌّ على التفكّرِ في ظاهرةِ الطيورِ في السماءِ؟ أليس في هذه الآيةِ التي اختارَها اللهُ دليلٌ على عظمتِه؟.