قال ابن القيم في زاد المعاد:"وأما منافعُ الحجامةِ فإنها تنقِّي سطحَ البدن أكثرَ من الفصدِ، والفصدُ لأعماقِ البدنِ أفضلُ، والحجامةُ تستخرجُ الدمَ من نواحي الجلدِ، قلت: والتحقيقُ في أمرِها وأمرِ الفصدِ أنهما يختلفانِ باختلافِ الزمانِ والمكانِ والأسنانِ والأمزجةِ، فالبلادُ الحارّةُ والأزمنةُ الحارّةُ، والأمزجةُ الحارّةُ التي دَمُ أصحابِها في غايةِ النضجِ الحجامةُ فيها أنفعُ من الفصدِ بكثيرٍ، فإنّ الدمَ ينضُجُ، ويرقُّ، ويخرجُ إلى سطحِ الجسدِ الداخل فتخرِجُ الحجامةُ ما لا يخرِجُه الفصدُ، ولذلك كانت أنفعَ للصبيانِ مِن الفصدِ، ولِمَن لا يقوَى على الفصدِ، وقد نَصَّ الأطباءُ على أنّ البلادَ الحارّةَ الحجامةُ فيها أنفعُ وأفضلُ من الفصدِ، وتستحبُّ في وسطِ الشهرِ، وبعدَ وسطِه، وبالجملةِ، وفي الرُّبعِ الثالثِ مِن أرباعِ الشهرِ، لأنّ الدمَ في أوَّلِ الشهرِ لم يكن بعدُ قد هاجَ، وتَبَيَّغَ، وفي آخرِه يكونُ قد سَكَنَ، وأما في وسطِه وبعيدَه فيكونُ في نهايةِ التزيُّدِ.
قال صاحبُ القانونِ: ويُؤمَر باستعمالِ الحجامةِ لا في أولِ الشهرِ، لأنّ الأخلاطَ لا تكونُ قد تحركتْ، وهاجتْ، ولا في آخرِِه، لأنها تكونُ قد نقصتْ، بل في وسطِ الشهرِ حين تكونُ الأخلاطُ هائجةً بالغةً في تزايُدِها لتزيدَ النورَ في جِرم القمرِ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "خيرُ ما تداويتم به الحجامةُ والفصدُ"، وفي حديثٍ: "خيرُ الدواءِ الحجامةُ، والفصدُ".
[أمراض القذارة]
من الإحصاءاتِ الطريفةِ والخطيرةِ التي أَجْرَتْهَا إحدى المؤسساتِ العلميةِ المعنيةِ بشؤونِ الصحةِ على مستوى العالَمِ كلِّه أنّ أمراضَ القذارةِ؛ التي تنتقلُ عن طريقِ تلوُّثِ اليدينِ والماءِ والطعامِ، فتصيبُ الجهازَ الهضميَّ بأبلغِ الأضرارِ هي كما يلي: