قالَ بعضُ العلماءِ:"إنّ الوقوفَ على القدمين حركةٌ بهلوانيةٌ عجيبةٌ"، كيف؟ هناك جهازٌ في باطنِ الأذنِ اسمُه جهازُ التوازنِ، فيه قنواتٌ ثلاثٌ نصفُ دائريةٍ، تمثِّلُ اتجاهاتِ الفراغاتِ، فيها سائلٌ، وفيها جُسيماتٌ، تتحَسَّسُ بحركةِ السائلِ، هذا الجهازُ يعطي المخيخَ وضعَ الجسمِ، أهو قائمٌ، أم مائلٌ؟ أهو جالسٌ، أم نائمٌ؟ وكذلك الأعصابُ، والعضلاتُ، والمفاصلُ، والعظامُ تخبرُ المخيخَ بأحوالِها، وأوضاعِها، فيأتي المخيخُ، ويجعلُ من هذه المعلوماتِ، ومن هذه الحركاتِ كُلاًّ منسجماً؛ لذلك قالَ العلماءُ:"إنّ الوقوفَ البسيطَ يُعَدُّ حركةً بهلوانيةً عجيبةً"، بدليلِ أنّ الميتَ لا يمكنُ أن يقفَ على قدميهِ، فوقوفُ الإنسانِ تسهِمُ فيه مجموعةٌ عجيبةٌ من الأجهزةِ، أنْ تقفَ على قدميك، وأنْ تسيرَ، وأنْ تنحنيَ، وأنْ تقعدَ، وأنْ تجلسَ، وأنْ تميلَ يمنةً أو يسرةً، هذه أعمالٌ بالغةُ التعقيدِ.
لو أنّنا خَرَّبْنَا جزءاً من المخيخِ لا يزيدُ على حبةِ عَدَسٍ مِن مخِّ طائر لَسَقَطَ فوراً، ولَمَا استطاعَ أنْ يطيرَ، لو خرَّبنا جزءاً من المخيخِ لا يزيدُ على حبّةِ عدسٍ لَمَا استطاعَ الإنسانُ أنْ يقفَ على قَدَمَيْنِ أبداً، بل يقعُ، لذلك يعرفُ الأطباءُ أنّ هناك خللاً في المخيخِ من طريقةِ مشيِ المريضِ، إنه يباعدُ بينَ رِجْلَيْهِ، ليوسِّعَ سطحَ استنادِه، يقالُ للمريضِ في مُخيخِه: ضعْ رأسَ أصبعِك على أنفِك، فلا يستطيعُ، وتضطربُ حركتُه، قال العلماءُ:"هذا اسمُه رجفانٌ قصديٌّ"، وهو مرضٌ يصيبُ الإنسانَ بسببِ خللٍ في مُخَيخِه، تعطيهِ فنجانَ القهوةِ مثلاً فترجفُ يدُه عند إمساكِه، إنّ هناك خللاً في مركزِ تنسيقِ التوازنِ في حركاتِ الجسمِ.