فهذا القلبُ سمّاهُ العلماءُ مضخةً ماصّةً، كابسةً، تؤمِّنُ دورانَ الدمِ في الأعضاءِ، منذ أنْ ينبضَ، وأنت في الرحمِ، وحتى الموتِ، لا يكَلُّ، ولا يملُّ، ولا يستريحُ، ولا يتوقَّفُ حتى نهايةِ الحياةِ.
مِن آياتِ اللهِ الباهرةِ، أنّ اللهَ جعلَ لهذا القلبِ كيساً لصيقاً بهِ هو الشِّغافُ، مغلَّفاً بغشاءٍ آخرَ يُسمَّى التامورَ، هذا الكيسُ يفرزُ مادةً تليِّنُ حركتَه، لئلا يحتكَّ بالقلبِ نفسِه، هي في الآلاتِ كالزيتِ تماماً، أضِفْ إلى أنّ القلبَ مغلَّفٌ بغلافٍ رقيقٍ رقيقٍ، أملسَ، يسمَّى الشِّغافَ، هذا الغشاءُ الرقيقُ الرقِيقُ، الأملسُ الأملَسُ، مع التامورِ الذي يفرزُ المادةَ المليّنةَ، خُلِقَ من أجلِ أنْ ينعدمَ الاحتكاكُ في حركةِ القلبِ.
ومِن الآياتِ العجيبةِ أنّ في الدمِ خاصةً، لولاها لَمَا بَقِيَ أحدُنا حيّاً، هي خاصّة التجلُّطِ، وهي أنَّ الدمَ إذا لامسَ الهواءَ الخارجيَّ تتكوَّنُ منه أليافٌ تسدُّ منافذَ الشرايينِ إلى الخارجِ، لولا هذه الخاصّةُ، خاصّةُ التجلُّطِ لَسَالَ دمُ الإنسانِ كلُّه مِن جرحٍ طفيفٍ، ولكنّ الدمَ ما إنْ يلامسِ الهواءَ الخارجيَّ حتى يتجلَّطَ، ويصبحَ أليافاً تسدُّ المنفذَ الذي فُتِحَ، إنْ كان جرحاً، أو شيئاً مِن هذا القَبِيلِ، {ذلك تَقْدِيرُ العزيز العليم}[الأنعام: ٩٦] .
إنه قلبٌ يعملُ، ولا يرتاحُ، يصبُّ الدمُ الوريديُّ الذي أدَّى دورَةً في الأعضاء في الأُذينِ الأيمن، ومنه إلى البُطَينِ الأيمنِ، ومنه إلى الرئتين، وبعد أخْذِ الأوكسجين يعودُ إلى الأذينِ الأيسرِ، فالبطينِ الأيسرِ الذي يدفعه عبرَ الشريانِ الأبهرِ إلى أعضاءِ الجسمِ كلِّه، ففي القلبِ أُذَيْنَانِ، وبُطَيْنَانِ يمصّانِ الدمَ، ويدفعانهِ بلا كَلَلٍ، ولا مَلَلٍ.
قدَّر العلماءُ أنه في كلِّ نبضةٍ يندفعُ من القلبِ مجموعةُ سنتيمتراتٍ مكعّبةٍ، تزيدُ على العشرةِ، في الدقيقةِ الواحدة ثمانون دفعةً، أيْ في الدقيقةِ الواحدة اثنان جالون ونصفٌ من الدمِ يضخُّه القلبُ، وقَدَّرَ بعضُهم ما يضخُّه القلبُ في سبعين عاماً بأربعةِ ملايينِ جالون، وهذا شيءٌ عجيبٌ في هذه العضلةِ.