إنّ هذا السائلَ الأحمرَ الذي هو قوامُ حياتِنا مؤلَّفٌ من كرياتٍ حمراء، وكرياتٍ بيضاءَ، ومِن صفائحَ دمويةٍ، ونقف هنا قليلاً عندَ الكرياتِ الحمراءِ، الكريةُ الحمراءُ خليةٌ، أبعادُها دقيقةٌ، قطْرُها سبعةُ ميكروناتٍ، فإذا قسمنا الميليمتر إلى ألفِ قسمٍ، فقطْرُ هذه الكريةِ التي تشبهُ رغيفَ الخبزِ سبعةُ ميكرونات، أي سبعةُ أجزاءٍ من ألفٍ مِن الميليمتر، أمّا سماكتُها فلا تزيد على ميكرونين، وهما جزءانِ من الألفِ من الميليمتر.
والسؤالُ الآن: كم عددُ هذه الكرياتِ في جسمِ الإنسانِ؟ العددُ التقديريُّ والتقريبيُّ خمسةٌ وعشرون تريليوناً، أيْ خمسةٌ وعشرونَ ألفَ ألف مليونِ، ولو رَصَفنا هذه الكرياتِ الموجودةَ في دمِ كل واحدٍ منّا واحدةً إلى جنبِ الأخرى لطوَّقتِ الأرضَ في خطِّ الاستواءِ سبعَ مراتٍ؛ لأنّ في الميليمترِ المكعبِ الواحدِ خمسةَ ملايينَ كريةٍ حمراءَ، والشيءُ اللافتُ للنظرِ أن هناك أوعيةً شعريةً لا يزيدُ قطْرُها على قطْرِ كريةِ الدم الحمراءِ، لذلك تُضطرُّ الكرياتُ الحمراءُ في هذه الأوعيةِ الدقيقةِ إلى أنْ تسيرَ واحدةً تِلْوَ الأخرى في نسقٍ واحدٍ، والأغرب من ذلك أنّ بعضَ الأوعيةِ الدقيقةِ الدقيقَةِ يضيقُ قطرُها على قطرِ الكريةِ الحمراءِ، فكيف تسيرُ هذه الكريةُ فيها إذاً؟ تتطاولُ هذه الكريةُ الحمراءُ فتأخذُ شكلاً بيضويّاً من أجلِ أن تسيرَ في هذا الوعاءِ الدقيقِ الدَقيقِ.
قال تعالى:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفاق وفي أَنفُسِهِمْ حتى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحق أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[فصلت: ٥٣] .
وفي الإنسانِ خمسةٌ وعشرون ألفَ مليونِ كريةٍ بيضاءَ، هذه الكريةُ لها خصائصُ لا يصدِّقها العقلُ. فبإمكانِها أنْ تمرَّ في ممرٍّ ضيِّقٍ هو عشرُ حجمهِا بمرونةٍ فائقةٍ، ونقيُّ العظامِ يُصَنِّعُ في كل ثانيةٍ اثنين ونصفَ مليونٍ كريَّةٍ، ويموتُ في كلِّ ثانيةٍ مثلُ هذا العددِ، فإذا ماتتْ هذه الكرياتُ ذهبتْ أيضاً إلى مقبرةٍ جماعيَّةٍ اسمُها "الطحالُ".