ففي المقرَّرِ الأولِ: يُعرَضُ على هذه الخلايا مئاتُ الألوفِ من البروتيناتِ التي تدخلُ في بناءِ الجسمِ البشريِّ، ثم ترمزُ هذه العناصرَ الصديقةَ، وتدرِّبُ هذه الخلايا على ألا تهاجمَها، لأنها إنْ هاجمَتْهَا فمعنى ذلك أنّ الجسمَ يدمِّرُ نفسَه، ويتلفُ بعضَه.
وفي المقرَّرِ الثاني: يُعرَضُ على هذه الخلايا ما عرَفَه النوعُ البشريُّ عبرَ الأجيالِ على أنه عنصرٌ ممرضٌ، من خلالِ مناعاتِ الأمِّ التي تصلُ إلى المولودِ من خلالِ الحليبِ، ومن خلالِ التجرِبة الحيّةِ، حيث إنّ الطفلَ في السنواتِ الأولى يميلُ بفطرتِه إلى التقاطِ الأشياءِ، ووضْعِها في فَمِهِ لتعرِفَ خلاياه المقاتلةُ العناصرَ المعاديةَ، أو أنّ العدوى بالأمراضِ تعطِيه مزيداً من المعلوماتِ عن أعدائهِ، ومن خلالِ هذه المحاضراتِ تعرفُ هذه الكرياتُ البيضاءُ المقاتلةُ العناصرَ المعاديةَ التي عليها أنْ تهاجمَها، أو تذيعَ نبأَ وجودِها، أو تسهمَ في إلقاءِ القبضِ عليها.
ومن خلالِ المجاهرِ الإلكترونية تبدو الغدةُ الصعتريةُ على شكلِ مدرجاتٍ رومانيةٍ، تصطفُّ الكرياتُ البيضاءُ عليها لتتلقَّى هذه المحاضراتِ القيمةَ.
ولا بد في أيّةِ جامعةٍ، أو معهدٍ، أو مدرسةٍ من امتحانٍ ...
تَمُرُّ هذه الكرياتُ فرادى في بواباتٍ امتحانيةٍ، وتُمْتَحَنُ واحدةً وَاحدةً في المُقَرَّرَيْنِ السابقين.
امتحانُ المادةِ الأولى: يُعرَضُ على الكريةِ البيضاءِ الممتحنةِ عنصرٌ صديقٌ، فإنْ هاجمَتْهُ أخفقتْ في الامتحانِ، ومُنِعَتْ من مغادرةِ الغدةِ الصعتريةِ، وقُتِلَتْ؛ لأنّها إنْ خَرَجت إلى الدمِ هاجمَت الجسمَ الذي شَكَّلَهَا.
امتحانُ المادةِ الثانيةِ: يُعرَضُ على الكريةِ البيضاءِ الممتحَنةِ عنصرٌ عدوٌّ ممرضٌ، فإنْ أخفقتْ في تمييزِه، والردِّ عليه رَسَبَتْ في الامتحانِ، ومُنِعَتْ من مغادرةِ الكُلِّيةِ، وقُتِلَتْ، لأنها إنْ خَرَجَتْ إلى الدمِ غَفَلَتْ عن العدوّ، ومَكَّنَتْهُ من مهاجمةِ الجسمِ.