للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَمَّةَ شيءٌ لا يكاد يُصدَّق، إنّ متراً مكعَّباً مِن التربةِ التي نستخدمُها للزراعةِ فيه ما يزيدُ على مئتي ألف من الدِيدانِ العنكبيةِ، وعلى مئة ألفٍ من الحشراتِ، وعلى ثلاثمئة مِن ديدانِ التربةِ العاديةِ، وعلى آلاف الملايينِ من الجراثيمِ، والكائناتِ المتناهيةِ في الدقّة، وإنَّ غراماً واحداً مِن هذه التربةِ يحتوي على عدَّةِ ملياراتٍ مِن البكتيريا، مخلوقاتٍ متناهيةٍ في الدقةِ، على شكلِ عُصيَّاتٍ، وعلى شكلِ كريَّاتٍ، وعلى شكلِ لوالبَ، بعضُها يحتاجُ إلى الأوكسجينِ، وبعضُها لا يحتاجُ، بعضها عارٍ، وبعضُها له أهدابٌ تمكِّنه من الحركةِ، إنّ هذا المصنعَ ذو حركةٍ دائمةٍ، يقوم بمهماتٍ هي مِن أكثرِ المهماتِ غموضاً واستغلاقاً حتى اليوم، هذه الكائناتُ ما وظيفتها؟ يعرف العلماءُ بعضَ الوظائفِ، أما وظيفتُها بالضبط فلا يزال هذا سرّاً، وهذا المصنعُ ذو الحركةِ الدائمةِ يقومُ بمهماتٍ مِن أكثرِ المهماتِ أهميةً، ونَفْعاً للإنسانِ، فلو أنّ الجنسَ البشريَّ كلَّه أُبيدَ على بكرةِ أبيه لبقيتِ الحياةُ مستمرةً، أما هذه الكائناتُ فإنها لو أُبِيدَتْ لانتهتِ الحياةُ مِن سطح الأرضِ كليّاً، فربما كان وجودُ هذه الكائناتِ أخطرَ مِن وجودِ الإنسانِ، فكلُّ شيءٍ نأكله على نحوٍ مباشرٍ أو غيرِ مباشرٍ، إنما أصْلُه مِن النباتِ الأخضرِ، فإذا أكلتَ اللحمَ، فاللحمُ نَبَتَ من العشبِ، فهذا الخروفُ أكَلَ العشبَ فَنَمَا جسمُه، فأكلتَ أنتَ لحمَه، فغذاؤُك على نحو مباشر وغير مباشر أساسُه النباتُ الأخضرُ، قال تعالى: {الذي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشجر الأخضر نَاراً فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ} [يس: ٨٠] .

لقد حار العلماءُ في كلمةِ {الأخضر} هنا، كيف يكونُ الشجرُ أخضرَ، وكيف يُجْعَل وقوداً؟ ولا يكون الشجرُ وقوداً إلا إذا كان يابساً، فلماذا قال تعالى: {مِّنَ الشجر الأخضر} ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>