للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيءٌ آخرُ: ظاهرةُ الترسبِ، الإنسانُ خُلِقَ مِن ماءٍ مهينٍ، لهُ عظامٌ، عظمُ عُنُقِ الفخذِ يتحمَّلُ مِن الوزنِ ما يزيدُ على مئتين وخمسين كيلو غراماً، فالإنسانُ العتيدُ الشديدُ يمكنُ أنْ يتحمَّلَ خمسمئة كيلو فوقَه، هذه الصلابةُ التي اكتسبَتْها العظامُ أنَّى لها أنْ تكونُ لولا ظاهرةُ الترسُّبِ؟ حيثُ إنّ الموادَّ الذائبةَ في سائلٍ تنفصلُ عنه، وتترسَّبُ، وتشكِّلُ هذا العظمَ.

يقولُ الأطباءُ: إنّ ميناءَ الأسنانِ يأتي بعد الماسِ في صلابتِه، لولا الترسُّبُ لَمَا كانت الأسنانُ بهذا القوام، ولَما كانت العظامُ، ولما كنَّا نحن.

وظاهرةٌ أخرى هي الذوبانُ، لولا ذوبانُ أملاحِ المعادنِ في الماءِ لَمَا أمكنَ للنباتِ أنْ يأخذَ كلَّ المعادنِ مِن التربةِ، كلُّ أملاحِ المعادنِ تذوبُ في الماءِ، ويصعدُ الماءُ مع أملاحِ المعادنِ المذابةِ، فتأخذ الأوراقُ حاجتَها، ولولا ظاهرةُ الذوبانِ لَمَا ذابتِ الأطعمةُ على شكلِ سائلٍ، وينتقل هذا السائلُ إلى الدمِ، والدّمُ ينقلُ كلَّ هذه الموادِّ إلى الخلايا.

فإذا وَقَفْنَا عند قانونِ الانصهارِ، وقانونِ التجمدِ، وقانونِ الذوبانِ، وقانونِ الترسبِ، وقانونِ التبخُّرِ، وقانونِ التكثيفِ اكتشفْنَا قدرةَ اللهِ وحكمتَه.

إنّ المؤمنَ إذا أرادَ أنْ يعرفَ اللهَ دلَّه كلُّ شيءٍ عليه، كلُّ قانونٍ يقرؤه المرءُ حتى في الكتبِ العلميةِ المحضةِ، يجد أنّ هذا القانونَ يشيرُ إلى عظمةِ اللهِ عز وجل، لولا تحوُّلُ المعادنِ إلى أملاحٍ، ولولا ذوبانُ الأملاحِ في الماءِ لَمَا كنا في هذا المكان، كيف أنك تمشي على قَدَمَيْنِ؟ هناك هيكلٌ عظميٌّ يحمِي هذه العضلاتِ، لولا ظاهرةُ الترسُّب لَمَا كان هناك إنسانٌ يمشي على قَدَمَيْن، ولولا ظاهرةُ الذوبانِ لَمَا أمكنك أنْ تأخذَ كلَّ الغذاءِ، إنّك تأكلُ مركباتِ الحديدِ، وأنت لا تشعرُ، أملاحُ المعادنِ كلُّها ذائبةٌ في دَمِكَ، لولا ظاهرةُ الذوبانِ لَمَا أمكنَ أنْ تستفيدَ مِن المعادنِ، ولَمَا أمكنَ أنْ تستفيدَ من الغذاءِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>