الشيءُ الذي يَلفِتُ النظرَ أن لكلِّ بحرٍ درجةَ ملوحةٍ ثابتةً، لا تنقصُ، ولا تزيدُ، مع أنّ البحرينِ متصلان، وله كثافةٌ لا تنقص ولا تزيد، وله حرارةٌ لا تنقص ولا تزيد، وله لونٌ لا يتغيَّر، فلو ركبَ الإنسانُ طائرةً، وحلَّقتْ به في الجوِّ، فوق بابِ المَنْدَبِ، أو فوق البوسفور، أو فوق مضيقِ جبلِ طارقٍ لَرَأَى أنّ هذا البحرَ شيءٌ، وذاك شيءٌ آخرُ.
لقد وجَدَ علماءُ البحارِ أنّ ذراتِ الماءِ في البحرِ الأحمرِ إذا وصلتْ في أثناءِ حركتها إلى خطٍّ وهميٍّ عند بابِ المندب تعودُ إلى البحرِ الأحمرِ، وأنّ ذراتِ المحيطِ الهندي إذا اتجهت إلى البحرِ الأحمرِ تنخفضُ نحو الأسفلِ عندَ هذا البرزخِ، وتعاودُ الكَرَّةَ نحو المحيط الهندي، فلا يطغى المحيطُ الهنديُّ على البحرِ الأحمرِ، وأنّ البحرَ الأحمرَ لا يختلطُ بالمحيطِ الهندي، لأن:{بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ}[الرحمن: ٢٠] ، ولكلٍ منهما كثافةٌ، وحرارةٌ، ومُلوحةٌ، لا تزيدُ، ولا تنقصُ، كذلك البحرُ الأبيضُ، مع البحرِ الأسودِ، والبحرُ الأبيضُ مع المحيطِ الأطلسيّ.
قال تعالى:{مَرَجَ البحرين يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ} ، لكنّ هذا البرزخَ ليس جداراً، إنه مرنٌ، وهذا الالتقاءُ المذكورُ في الآية:{مَرَجَ البحرين يَلْتَقِيَانِ} ، يكون على شكلِ تماوُجٍ.
أما الآيةُ الثانيةُ التي في سورةِ الفرقانِ ففيها شيءٌ آخر:{وَهُوَ الذي مَرَجَ البحرين هاذا عَذْبٌ فُرَاتٌ وهاذا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً}[الفرقان: ٥٣] .