أمّا الشيءُ الذي يأخذُ بالألبابِ فهو أنّ هذه البذورَ لها أحوالٌ شتّى، بعضُ هذه البذورِ مجنَّحَةٌ، لها أجنحةٌ، تطيرُ مئات الكيلو متراتِ، تطيرُ فتنقلُ الاخضرارَ من بلدٍ إلى بلدٍ، إنّ الرياح تنقلها، وتقطع بها مئاتِ الكيلومتراتِ لِتُزْرعَ زراعةً طبيعيّةً في أراضٍ رطْبةٍ، فَتَنبُتُ الأشجارُ ذاتُ البهجةِ والجمالِ، وبعضُ هذه البذورِ لها زغَبٌ كَزَغَبِ الصوفِ، تطيرُ أيضاً في الهواءِ، ولكن لِمَسافاتٍ قصيرةٍ، فالتي خُلِقَتْ لِتَنتقلَ عبْرَ القارّاتِ، وعبْر مئات الكيلومتراتِ لها أجنحةٌ، أما التي خُلقَتْ لِتَنتقلَ عبْرَ مسافاتٍ فلها زُغاباتٌ كَزُغاباتِ الصّوفِ.
ومِن البذورِ ما لها غلافٌ عازلٌ لا تتأثَّرُ بالماءِ، تنتقلُ عبْرَ الأنهارِ، وعبْرَ السّيولِ، من مكانٍ إلى آخرَ، إنّها مغلّفةٌ تغليفاً محكماً عازِلاً، حيثُ لا تؤثّرُ خُصوبةُ الماءِ في نموِّ الرُّشَيمِ.
وإنّ مِن البذورِ ما لها أشواكٌ تلتصقُ بجسمِ بعضِ الحيواناتِ لتنتقلَ مِن مكانٍ إلى مكانٍ، وإنّ بعضَ البذورِ فيها مادّةٌ لاصقةٌ تلتصقُ بأرجلِ بعضِ الطّيورِ لِتَنتقلَ عبْرَ هجرتِها من بلادٍ إلى بلادٍ.
وإنّ مِن البذورِ ما هي مودَعَةٌ في غلافٍ ينفجرُ في بعضِ الظروفِ الطبيعيّةِ، فإذا انفجرَ هذا الغلافُ تناثرَتِ البذورُ.
وإنّ مِن البذورِ، ولا سيّما البذورُ الرّعويّةُ ما هي موضوعةٌ في محفظةٍ، والمحفظةُ فوق لوْلبٍ، فإذا وقعَ اللّوْلبُ على الأرضِ ساهَمَتِ الرّيحُ في غرسِهِ في الأرضِ، ثمّ تنتقلُ البذورُ عبْرَ هذا اللّوْلبِ إلى باطن الأرضِ، وهذا يتمُّ مباشرةً من دونِ تَدَخُّلِ الإنسانِ.
الشيء المدهِشُ أنّ بعضَ النباتاتِ التي تنمو في الصّحراءِ، أو تنمو في الباديةِ، يزيدُ طولُ جذْرِها على سبعة عشر متراً نحو أعماقِ الأرضِ لِتَمتصَّ الرّطوبةَ منها.