يمكنُ أنْ تضعَ بضعَ غراماتٍ من مادةٍ مخدِّرة في علبةٍ مُحكَمَةِ الإغلاق، وهذه المادةُ مغلَّفةٌ بوَرَقٍ كتيم، والعلبةُ محكمةٌ ضمنَ علبةٍ، والعلبتان ضمنَ صندوقٍ، وأنْ تأتيَ بمئةِ صندوقٍ متشابهةٍ، وأنْ ترسلَ كلباً، فإذا هو يهتدي إلى هذه المادةِ من بين مئة صندوقٍ، لقد أعطاه اللهُ هذه القدرةَ، وتسأل حينئذٍ: كيف تنقذُ الرائحةُ؟ وكيف تصل إلى أنفِ هذا الحيوانِ؟!! إنّه شيءٌ معجِزٌ.
لقد أثبتَ العلمُ الحديثُ أنّ لكلِّ إنسانٍ على وجهِ الأرضِ رائحةً خاصَّةً، ولا يتشابَهُ اثنان في رائحةٍ، بل إنّ لكلّ من التَّوْأَمَيْنِ اللذين وُلِدَا من بويضةٍ واحدةٍ رائحةً خاصةً، فيكفي أنْ تقرِّبَ إلى أنفِ هذا الحيوانِ شيئاً مِن رائحةِ عَرَقِ الإنسانِ، ولو كان هذا الإنسانُ بين مئاتِ الألوفِ من البشرِ، فإنَّ الكلب يهتدي إليه، وهذا شيء معجِزٌ.
تحتلُّ خلايا الشمِّ في الإنسانِ مسَاحةً لا تزيدُ على خمسةِ سنتيمتراتٍ مربعةٍ، وأمَا خلايا الشمِّ في هذا الحيوان فتحتلُّ مساحةً تزيدُ على مئةٍ وخمسين سنتيمتراً مربعاً، هناك ما يزيد على خمسة ملايين خلية لِتَحَسُّسِ الروائحِ، أمّا في هذا الحيوانِ فهناك ما يزيد على مئةٍ وخمسين مليونَ خلية لِتَحَسُّسِ هذه الروائح.
تفوق حاسّةُ الشمِّ لدى هذا الحيوان حاسَّةَ الإنسانِ بمليونِ مرةٍ، لذلك مهما احتال مهربو المخدِّراتِ، ومهم أخفَوْها في حرزٍ حريز، فإنّ هذه الحيواناتُ تستطيعُ أنْ تكتشفَ هذه المادةَ، التي تقضي على سعادة الأُسرِ.
ويستطيع الحيوانُ المدرَّبُ على تَتَبُّعِ الروائحِ أنْ يشمَّ رائحةَ إنسانٍ من بينِ مئةِ ألفِ إنسان، بشرطِ أنْ يُعْطَى بادئَ ذي بدءٍ شيئاً مِن رائحته، ولو كان ذا دلالةٍ طفيفةٍ.
مَن يصدِّق أنَّ ذاكرةَ هذا الحيوانِ يمكنُ أنْ تستوعبَ ملايينَ الروائحِ، فإذا دُرِّبَ على كشفِ روائحَ معينةٍ، فأيُّ رائحةٍ مدرجةٍ في ذاكرتِه يكتشفُها.
شيءٌ آخرُ: إذَا كان لديك وعاءان، وفي كل وعاء خمسون لتراً من الماء، ووضعتَ في أحدهما ملعقةً صغيرةً من الملحٍ، فإن هذا الحيوانَ يفرِّق بين العذبِ والمالحِ عن طريقِ الشمِّ فقط.