للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نوعٌ من الطيورِ اسمُه: صقر البحر، يَنْفِرُ مِن البَرْدِ، لذلك فهو يهاجرُ من شمالِ آسية وأمريكة إلى المناطقِ الدافئةِ في جنوبِ الكرةِ الأرضيةِ، فيقطع تسعة عشر ألفَ كيلو مترٍ في رحلة الشتاء، ورحلة الصيف، لكنَّ هذا الطائرَ لا يحملُ زاداً، ولا يتأثَّر ريشُه بالماءِ، لأنه لو تأثّرَ بالماءِ لَمَا أمكَنَه أنْ يطيرَ بَعدَ أنْ يغوصَ فيه، حيث يتغلغلُ الماءُ في أجنحتِه، وفي ريشِه فيَثقُلُ، ولا يمكنُه أنْ يطيرَ.

قال علماءُ الطيورِ: "إنّ كلَّ طيورِ البحرِ لا يتأثَّرُ ريشُها بالماءِ، ولا يَعْلَق بها الماءُ إطلاقاً، لأنها تتغذَّى بأسماكِ البحر".

بل إنّ هذا الطائرَ يَتَتَبَّعُ بعضَ الطيورِ الجارحةِ، فإذا صادتْ هذه الطيورُ سمكاً مِن الماءِ، واعتزمتْ أنْ تحملَه إلى صغارِها، هاجَمَهَا في الهواءِ، فخافتْ مِنْه، فتركتْ صيْدَها يسقطُ إلى الماءِ، فيَنْقَضُّ هذا الطيرُ، ويأخذُ هذه السمكةَ قبلَ أنْ تصلَ إلى الماءِ، هل في إمكان طيّارٍ أنْ يفعلَ هذا؟ أنْ يأخذَ هذا الصيدَ بعد أنْ سقط مِن فمِ الطيرِ الجارحِ؟ يأخذُه قبلَ أنْ يعودَ في الماءِ، ويطيرُ به في جوِّ السماءِ؟

نوعٌ آخرُ من الطيورِ الخرشنة، يهاجرُ من المنطقةِ المتجمّدةِ الشماليةِ، إلى المنطقةِ المتجمدةِ الجنوبيةِ، ويقطعُ اثنين وثلاثينَ ألفَ كيلو مترٍ في هذه الرحلةِ، قد يقولُ قائلٌ: وكيف عَرَفَ العلماءُ ذلك؟

يقال: إنّ طيوراً تُؤخَذُ مِن أوكارِها في المنطقةِ الجنوبيةِ من الأرضِ، ويُوضَعُ في أرجُلِها حلقاتٌ معدنيةٌ، مع رموزٍ مكتوبةٍ على هذه الحلقاتِ، وبهذه الطريقةِ يعرفُ العلماءُ هجرةَ الطيورِ، ومقدارَ ما تقطعُه في هذه الرحلةِ الطويلةِ.

يقطعُ نوعٌ آخرُ من الطيورِ مسافةَ أربعةِ آلافِ كيلو مترٍ دونَ أن يأكلَ شيئاً، ويطيرُ بعضُ هذه الطيورِ ستاً وثمانين ساعةً، طيراناً مستمراً، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطير فَوْقَهُمْ صافات وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرحمان} [الملك: ١٩] .

ويقول عز وجل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السماوات والأرض والطير صَآفَّاتٍ} [النور: ٤١] .

<<  <  ج: ص:  >  >>