رُكِّبَ المَلَكُ من عقلٍ بلا شهوةٍ، ورُكِّبَ الحيوانُ من شهوةٍ بلا عقلٍ، ورُكِّبَ الإنسانُ من كِلَيْهِمَا، فإنْ سَمَا عقلُه على شهوتِه أصبحَ فوقَ الملائكةِ، وإنْ سمتْ شهوتُه على عقلِه أصبحَ دون الحيوانِ، أيكونُ الإنسانُ الكافرُ دونَ الحيوانِ؟ نعم، إنه شرُّ البريةِ، هذا الصقر الحيوانُ الأعجمُ، هكذا أخلاقُه، تناصرُه لبني جنسِه، دفاعُه عنهم، قَبولُه للتعلُّمَ، متعتُه بالتعلُّمِ، لا يرضى بالذلِّ، لا يرضى بالغدرِ، إذا احتاجَ أَخَذَ، وإذا استغنَى تَرَكَ، آيةٌ في الرِّقَّةِ في معاملةِ أنثاهُ، محبٌّ لفراخِه، غيورٌ على أبنائِه، إذا كان الصقر على هذا النحوِ فما قولك في بني البشر الذين يغدرون، والذين يرضون بالذلِّ، والذين يأخذون ما لا يأكلون، ويجمِّعون من الأموال ما لا يحتاجون؟ ما قولُك في بني البشرِ الذين يتكبَّرون على التعلمِ!! فإذَا دعوْتَه إلى هدىً أَخَذَتْه العزّةُ بالإثمِ:{وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتق الله أَخَذَتْهُ العزة بالإثم}[البقرة: ٢٠٦] ، {إِنَّهُمْ كانوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إلاه إِلاَّ الله يَسْتَكْبِرُونَ}[الصافات: ٣٥] .
أيكونُ الصقرُ أشرفَ من الإنسانِ الذي سَخَّرَ اللهُ له ما في السماواتِ وما في الأرضِ جميعاً، وكرَّمه؟
لقد أتعبتِ الصقورُ المزارعين، حتى شَكَا بعضُهم كثرتَها في بلادِهم؛ لأنها أحياناً تنقضُّ على أفراخِ الدجاجِ فتأكلُها، فشَكَوْا ذلك إلى المسؤولين هناك، في أمريكا، فوضَعتِ الدولةُ جائزةً سخيّةً لمن يقتلُ الصقرَ خلالَ شهرين متتابعين، وبذلك تم القضاءُ كلياً على صقورِ هذه البلادِ، ثم فوجئَ المزارعون أنّ فئرانَ الحقل تكاثرتْ تكاثراً غيرَ معقولٍ، وهذه الفئرانُ قد أكلتْ أكثرَ المحاصيلِ التي هم في أشدِّ الحاجةِ إليها، ثم عرفوا أنّ هناك توازناً في البيئة بين كلِّ الحيواناتِ، وبين كل النباتاتِ، والآن هناك اتّجاهٌ جديدٌ إلى استخدامِ المبيداتِ الحيويةِ، وليس الكيماويةِ؛ لأنّ المبيداتِ الحيويةَ متوازنةٌ مع الأمراضِ النباتيةِ، أما إذا استخدمنا المبيداتِ الكيماويةَ فربما اختلَّ توازنُ البيئةِ، ووقعنا في أمراضٍ نحن في أشدِّ الحاجةِ إلى تَجَنُّبِها.