وعَرَفَ العلماءُ نظريةً أخرى، وهي أنّ الطائرَ يهتدي بنجومِ السماءِ، وأنتَ أيها الإنسانُ الذكيُّ، الذي درستَ وحصَّلَ، ربما لا تستطيعُ أنْ تهتديَ بنجومِ السماءِ.
إنه لم يَبْقَ في الميدانِ إلا نظريتانِ: الأولى: الاهتداءُ بنجومِ السماءِ، ولكن كيف؟ لا ندري، وأيُّ نجمٍ هذا؟ لا ندري، والنظريةُ الثانيةُ: أنّ في الطائرِ نسيجاً يتأثرُ بالساحةِ المغناطيسيةِ الأرضيةِ، حتى يقطعَ هذه المسافةَ الطويلةَ دونَ أن يحيدَ عن هدفِه.
ولا يزال هذا السرُّ غامضاً حتى الآن، وهذا معنى قول الله تعالى:{مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرحمان إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ}[الملك: ١٩] ، إنها هدايةٌ مِن اللهِ مباشرة.
الشيءُ الذي يلفتُ النَّظَرَ أنَّ الطيورَ الصغيرةَ التي وُلِدَتْ حديثاً وُضِعَتْ حلقاتٌ في أَرجُلها، وسارَتْ في رحلتِها بالاتجاهِ الصحيحِ دون تعليمِ الطيورِ الكبيرةِ! فمَن الذي أوْدَعَ في هذه الطيورِ الصغيرةِ هذه القدرةَ العجيبةَ كي تهتديّ إلى أهدافِها، قال تعالى:{قَالَ رَبُّنَا الذي أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى}[طه: ٥٠] .
إن الشيءَ العجيبَ أنّ خطوطَ الرحلةِ ليْسَت مستقيمةً، كيف أنّ الطائرةَ العاديةَ في مسافة كذا كيلو مترٍ يتغيّرُ اتّجاهُها كذا زاويةٍ، هناك خُطَطٌ، وهناك طيّارٌ، وهناك مساعدُ طيَّارٍ، وهناك راداراتٌ، وخرائطُ، وهناك توجيهاتٌ أرضيّةٌ، واتِّصالٌ مستمرٌّ مع الأرضِ كي تبقَى الطائرةُ في خطِّ سيْرِها، أمّا خطوطُ الرحلاتِ في الطيورِ فليْسَتْ مستقيمةً، إنَّها خطوطٌ فيها انحرفاتٌ، وانعطافاتٌ، لأنّ هناك مَن رَسَمَ لها هذه الخطوطَ، وأَلْهَمَهَا أنْ تسيرَ فيها.
قالَ بعضُ العلماءِ:"لو أنَّ هذا الطيرَ انحرفَ عن هدفِه درجةً واحدةً لوصلَ إلى هدفٍ في نهايةِ المطافِ بعيدٍ عن هدفِه، ما لا يَقِلُّ عن ألفِ كيلو مترٍ"، فمَن الذي يُسَدِّدُ هذا الهدفَ؟ لا يزالُ علماءُ الأرضِ في حيرةٍ مِن هذه القوةِ؛ التي توجِّهُ الطيورَ في طيرانِها.