قالوا: إزعاجُ الذبابِ، وإيذاؤُه، وما يُسَبِّبُه من أمراضٍ قد صَرَفَ الأنظارَ عن التأمُّلِ في هذه الحشرةِ، التي تُعَدُّ أعجوبةً في الخَلْقِ الإلهيِّ.
لقد ضربَ اللهُ سبحانه وتعالى للناس الذبابةَ مثلاً، هذا المخلوقُ الضعيفُ المستقذَرُ، الذي يتكاثرُ بسرعةٍ جنونيةٍ، والذي يبدو ضعيفاً، لو أنك رششتَ مكاناً موبوءاً بالذبابِ، وقضيتَ على كلِّ الذبابِ إلا ذبابةً واحدةً؛ لأنتَجتْ هذه الذبابةُ جيلاً من الذبابِ يقاوِم هذه المادّةَ التي رشَشْتَها في هذا المكانِ، فتصنيعُ المضادّاتِ الحيويةِ عند الذبابِ شيءٌ معجزٌ، فَأيُّ شيء يقضي على الذبابِ تصنِّع الذبابةُ في أجهزتِها الدقيقةِ مضاداً حيويّاً يُكسِبُها مناعةً ضد هذه المادّةِ الفعّالةِ، حتى إنّ الذبابَ إذا ماتَ في البردِ ينجبُ جيلاً يقاوِمُ البردَ.
كُبِّرَتْ عينُ الذبابةِ مئاتِ المراتِ، فكان من هذا التكبيرِ العجبُ العجابُ، آلافُ العدساتِ المرصوفةِ بعضُها إلى جانبِ بعضٍ تحقِّقُ للذبابةِ رؤيةً كاملةً، فهذا المخلوقُ الضعيفُ الذي يشمئِزُّ الناسُ منه يستطيعُ أن يُنَاوِرَ مناورةً لا تستطيعُ أعظمُ الطائراتِ الحربيةِ وأحدثُها أنْ تفعلَ فعْلَها، إنها تسيرُ بسرعةٍ فائقةٍ بالنسبة إلى حجمِها، وتستطيعُ أنْ تنتقلَ فجأةً إلى زاويةٍ قائمةٍ، وتستطيعُ أنْ تنتقل من سقفٍ إلى سقفٍ، وهذا شيءٌ لا تستطيعُ طائرةٌ في الأرضِ أنْ تفعلَه، قال تعالى:{ضَعُفَ الطالب والمطلوب} .
أما الذي يَلفت النظر فحديثُ سيِّدِ البشر، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قَالَ النِّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَالأُخْرَى شِفَاءً".