يقول بعضُ العلماءِ الغربيّين:"القدرةُ التي خَلَقت العالَمَ لا تعجزُ عن حذفِ شيءٍ منه، أو إضافةِ شيءٍ إليه، ولو لم يكن هذا العالَمُ موجوداً"، ولو قيل لرجلٍ ممّن ينكر المعجزاتِ والخوارقَ:"سيُوجَد عالَمٌ صفتُه كذا وكذا، فإنه سيجيبُ فوراً: هذا غيرُ معقولٍ، ولا متصوَّر، ويأتي إنكارُه هذا أشدَّ بكثير من إنكارِ بعضِ المعجزاتِ".
والشيءُ المهمُّ هنا أن نعلمَ أنّ الرُّسلَ السابقين بُعِثوا لأقوامهم ليس غير، فكانت معجزاتُهم حسيّةً محدودةً بالزمانِ والمكانِ الذي بُعِثوا فيه، إذنْ معجزاتُهم كتألُّقِ عودِ الثّقابِ، وقعتْ مرةً واحدةً، وأصبحتْ خبراً يصدِّقُه مَن يصدِّقه، ويكذِّبه مَن يكذِّبه.
أمّا نبيُّنا محمّد صلى الله عليه وسلم، الذي هو خاتَمُ الأنبياءِ والمرسلين، وأُرسِلَ إلى الناسِ كافةً بشيراً ونذيراً، فينبغي أنْ يكونَ مِن معجزاتِه ما هو مستمِرٌّ، ولذلك كانت آياتُ الإعجازِ العلميِّ في الكتابِ والسُّنةِ معجزةً علميةً نَصّيَّةً.
ففي القرآنِ الكريمِ ألفٌ وثلاثُمئة آيةٍ تتحدّثُ عن الكونِ، وعن خَلقِ الإنسانِ، وهذه الآياتُ تقتربُ مِن سدُسِ القرآنِ، وإذَا كانَت آياتُ الأمرِ تقتضِي الطاعةَ، وآياتُ النهيِ تقتضي التركَ، فماذا تقتضِي آياتُ الكونِ؟ إنها تقتضي التفكُّرَ، لذلك وردَ في الأثرِ:"تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ".
ولحكمةٍ إلهيةٍ بالغةٍ لم يفسِّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم هذه الآياتِ؛ إمّا باجتهادٍ منه، أو بتوجيهٍ مِن اللهِ جلّتْ حكمتُه، لأنّه لو فسَّرها على نحوٍ يناسِبُ فهْمَ مَن حَوْله لأنكرَ هذا التفسيرَ مَن سيأتي بَعْدَه، ولو فسّرها تفسيرًا يفهمُه مَن سيأتي بَعْده لاستَغْلقَ هذا التفسيرُ على مَن حَوْله.
لذلك تُرِكتْ هذه الآياتُ للعصورِ اللاّحقةِ، ليكشفَ التقدُّمُ العلميُّ في كلّ عصرٍ جوانبَ الإعجازِ فيها، وبهذا يكونُ القرآنُ الكريمُ، بما فيه من آياتٍ كونيةٍ معجزةً مستمرّةً إلى يومِ القيامةِ.