إنّ الحديثَ عن عبادةِ الصيامِ، وما فيها من تقوى وإكرامٍ لا يعني أنّ الصيامَ ليسَ له فوائدٌ صحيةٌ، بل إنَّ في الصيامِ من الفوائدِ الصحيةِ ما يدهشُ العقولَ؛ لأنّ خالقَ هذا الإنسانِ هو الذي فَرَضَ عليه الصيامَ، وَأَمْرُ اللهِ سبحانه وتعالى أجَلُّ وأعظمُ مِن أن ينصرفَ إلى حكمةٍ واحدةٍ، لذلك فللصيامِ حِكمٌ لا تُعدُّ ولا تُحصَى.
قالَ بعضُ العلماءِ:"إنّ الصيامَ دورةٌ وقائيةٌ سنويةٌ، تقي الإنسانَ من الأمراضِ الكثيرةِ، فهو سلوكٌ وقائيٌّ من أجلِ سلامةِ هذه العضويةِ، ودورةٌ علاجيةٌ بالنسبةِ لبعضِ الأمراضِ، فالصيامُ يقِي المسلمَ المتَّبِعَ لسننِه المعتدلةِ في تناولِ الطعامِ في أثناءِ الصيامِ من أمراضِ الشيخوخةِ".
إنّ أمراضَ الشيخوخةِ تظهرُ في الكِبر، ولكن مسبِّباتِها تبدأُ في الشبابِ، يأتي الصيامُ ليقيمَ هناك توازناً بين استهلاكِ العضويةِ ووقايةِ الأجهزةِ، فلذلك معظمُ أمراضِ الشيخوخةِ تنجمُ عن الإفراطِ في إرهاقِ العضويةِ طوالَ الحياةِ، بالطعامِ والشرابِ، وبسائرِ الملذاتِ، وبالعملِ، والتعبِ، وبذلِ الجهدِ، فيأتي الصيامُ ليريحَ هذه العضويةَ، وليصحِّحَ الأخطاءَ التي ارتُكِبَتْ في بقيةِ أشهرِ العامِ، فيعودُ الجسدُ من دورةِ رمضانَ وقد صانه صاحبُه، وجدَّدَ نشاطَه به.
رُوِي عن النبيِّ عليه الصلاةُ والسلامُ:"صُومُوا تَصِحُّوا".
فالصيامُ كما يقولُ العلماءُ:"هو إلى الطبِّ الوقائيِّ أقربُ منه إلى الطبِّ العلاجيِّ"، بدليلِ أنّ المريضَ يرخَّصُ له في أنْ يفطرَ، وبعضُ حِكمِه أنّ الصيامَ يخفِّفَ العبءَ عن جهازِ الدورانِ، القلبِ والأوعيةُِ، حيثُُ تهبطُ نسبةُ الدسمِ وحموضةِ البول في هذا الشهرِ إلى أدنى درجةٍ، ومع انخفاضِ هذه النسبةِ يقي الإنسانُ نفسَه من مرضٍ ذي خطورةٍ، هو تصلُّبُ الشرايينِ، الذي يسبِّبُ إرهاقَ القلبِ، والذبحةَ الصدريةَ، ومع انخفاضِ نسبةِ حمضِ البولِ في الدمِ يقي الإنسانُ نفسَه من مرضٍ آخرَ هو التهابُ المفاصلِ.