للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجواب على ذلك وأن عددها غير محصور بل أكثر من نجوم السَّماء.

والجواب الثّاني: أن يكون الرسول - صلّى الله عليه وسلم - يعلم الآنية من أي شيء هي، فعدل عن سؤاله إلى بيان كثرتها، وفي ذلك تفخيم لأمرها وتنبيه على تعظيم شأنّها. ومثل ذلك قوله تعالى: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} فقال: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الشعراء: ٢٣، ٢٤]، فعدل عن حقيقة السؤال إلى ما هو معلوم يحصل به الغرض (١).

وفي آخر هذا الحديث: "آنِيَةُ الْجَنَّةِ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا لَمْ يَظْمَأْ آخِرَ مَا عَلَيْه": قوله: "آخِرَ مَا عَلَيْهِ" منصوب عَلى الظرَف، والتقدير: لم يظمأ أبدًا. وقد جَاء في حديث آخر بهذا اللّفظ (٢)، والمعنى: لم يظمأ ذلك الشارب إلى آخر مدة بقائه، ومعلوم أنّه يبقى أبدًا، فيكون معناه: لم يظمأ أبدًا (٣).

(١٠٧ - ٩) وفي حديثه: سَأَلتُ النَّبِيَّ - صلّى الله عليه وسلم - عَنْ مَسْحِ الحَصَى، فَقَالَ: "وَاحِدَةً أَوْ دَعْ" (٤).


(١) ومنه قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: ١٨٩]، وهذا ما يعرف في علم البلاغة بـ "أسلوب الحكيم"، وهو: تلقي المخاطب بغير ما يترقبه، إمّا بترك سؤاله والإجابة عن سؤال لم يسأله، وإما بحمل كلامه على غير ما كان يقصد.
ينظر: "جواهر البلاغة"، للسيد أحمد الهاشمي، (ص ٣١٢)، در الكتب العلمية، ط. سادسة، و"الجامع لفنون اللُّغة العربيّة والعروض"، لعرفان مطرجي، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، ط. أولى سنة (١٤٠٧ هـ).
(٢) ويعني به ما أخرجه: البخاريّ (٦٥٨٥)، ومسلم (٢٢٩١)، من حديث سهل بن سعد.
(٣) قال السيوطيّ بعد نقله كلام أبي البقاء: "وكذا قال البطليوسي في "أجوبة السائل": الوجه فيه النصب على الظرف، وهو كقوله في الحديث الآخر: "لم يظمأ بعدها أبدًا"، فهذا يفسر ما أشكل من ذلك الحديث. وحقيقة تقديره: لم يظمأ آخر ما عليه أن يبقى، والعرب تستعمل "الآخر" تريد به معنى الأبد، كقول الشاعر: [الطويل]
أمّا لك عمر إنّما أنت حية ... إذا هي لم تقتل تعش آخر الدهر".
"عقود الزبرجد" (٢/ ١٢٧).
(٤) إسناده ضعيف: أخرجه أحمد (٢٠٩٣٥)، وفيه ابن أبي ليلى، قال الحافظ: صدوق سيئ الحفظ جدًّا. إِلَّا أن الشّيخ الألباني - حفظه الله - قال "الإرواء" (٢/ ٩٨):

<<  <   >  >>