للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

} [البقرة: ٢٧٨ - ٢٧٩] على الرغم أن الربا هو السمة البارزة للاقتصاد العالمي المعاصر، وقاعدة التعامل الاقتصادي بين الدول، إلا أن التشريع الإسلامي هو الحق والصواب في تحريم الربا ومحاربته وتحريمه .... ، فالربا بلاء وآفة، يدمر الاقتصاد ويقطع الروابط، ويوقع العداوة والبغضاء بين الناس، والربا يقضي على إنسانية الإنسان وقلبه ودينه وإيمانه، والمرابون مصاصي الدماء والأموال (١).

يقول سيد قطب: "إن النظام الربوي نظام معيب من الوجهة الاقتصادية البحتة ... " (٢).

٣ - في الحدود: شرع الله تبارك وتعالى الحدود حتى يعيش الإنسان المسلم وغير المسلم أميناً على نفسه وماله وعرضه وعقله، لذلك حرم على المسلم قتل أخيه المسلم، يقول تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلا خَطَأً .................... } [النساء: ٩٢]. فإذا اعتقد القاتل بأنه سيُقتل فإنه لا يقدم على القتل، وكذلك عندما حرّم السرقة، فإنه حفظ للناس أموالهم، فعندما يعتقد المؤمن أنه إذا سرق سوف تقطع يده، فإنه لا يسرق وبذلك حفظ للناس أموالهم. وكذلك عندما شرع عقوبة الزنا مائة جلدة لغير المتزوج كما قال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي .... } [النور: ٢]، والرجم حتى الموت للمتزوج رجلاً كان أو أنثى.

وكذلك عندما شرع عقوبة الخمر الجلد ثمانين جلدة ليحفظ العقل (٣)، يقول الرسول? : "إذا شرب إنسان الخمر فاجلدوه ثمانين جلدة، إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وحد المفتري ثمانون" (٤).

يقول الأستاذ رشيد رضا: "يشتمل القرآن الكريم على العلوم الإلهية وأصول القواعد الدينية، وأحكام العبادات، وقوانين الفضائل والآداب وقواعد التشريع السياسي والمدني والاجتماعي الموافقة لكل زمان ومكان، وبذلك يفضل على كل ما سبقه من الكتب السماوية والشرائع الأرضية والآداب الفلسفية" (٥).

[ت- الإعجاز العلمي]

لقد حث الإسلام على العلم والتعلم، فآيات القرآن الأولى في النزول تأمر باستخدام القلم وتشجع على القراءة وذلك لما للقلم والقراءة من أهمية في حياة الأمم والشعوب. قال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: ١ - ٥].

الأمة الإسلامية منوط بها قيادة البشرية بأسرها في جميع مناحي الحياة، لذلك ينبغي أن تتصدر الأمم والشعوب في مجال العلم والإيمان والأخلاق حتى تصل إلى ذلك المركز القيادي الذي أُعدّت له.

لذلك جاءت التوجيهات القرآنية في العديد من الآيات تشجع الأمة كل الأمة على العلم والبحث والتحري عن المجهول في هذا الكون الفسيح. قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُون} [الزمر: ٩].

وجعل الحق تبارك وتعالى شهادة العلماء مع شهادته وشهادة الملائكة الملائكة في الإقرار بالوحدانية لله في الألوهية والربوبية، قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آلأ عمران: ١٨]، وأمر -صلى الله عليه وسلم- بطلب العلم النافع للبشرية وشجع على تحصيله، قال -صلى الله عليه وسلم-: "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة"، وجاء عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سهَّل الله له طريقاً إلى الجنة" (٦).

والاعجاز العلمي: هو ما يتعلق بإشارة القرآن في كثير من آياته إلى حقائق علمية ثابتة كشف عنها العلم الحديث، ووافقت أحدث ما انتهى إليه الكشف العلمي في هذا العصر، مع أنها كانت مجهولة في عصرة النبوة وما بعده لقرون عديدة (٧).

وقد ذكر د. عبد السلام تعريفاً فقال: "تلك الموافقة بين المكتشفات الحديثة للسنن الإلهية، وبين ما أشار إليه القرآن مع تمام المطابقة بينهما" (٨).

ب- الضوابط العلمية المنهجية للإعجاز العلمي:

١ - اعتقاد أن القرآن كتاب هداية وإرشاد أولاً وليس كتاب علوم وكونيات.

٢ - عدم الإفراط والتفريط عند النظر في الآيات الكونية، والاكتفاء بالحقائق العلمية في الاستدلال وعدم الاستدلال بالنظريات والفرضيات العلمية.

٣ - الوقوف على مرونة الأسلوب القرآني في توضيح المضامين العلمية بحيث يحتمل ذلك الأسلوب وجوهاً من التأويل.

٤ - عدم حصر دلالة الآية القرآنية على الحقيقة الواحدة، بل إبقاء الآية مفتوحة الدلالة بحيث تحتمل كل ما يتفق مع معناها.

٥ - اليقين باستحالة التصادم بين الحقائق القرآنية والحقائق العلمية.

٦ - اتباع المنهج القرآني في طلب المعرفة من خلال النظر في الآيات الربانية في الكون والنفس والآفاق والتعرف على سنن الله في هذا الوجود.

٧ - الإعجاز العلمي يُثبت عالمية رسالة القرآن الكريم، وذلك لأن القرآن يدعو الناس في كل عصر لدين الله (٩).

أمثلة على الإشارات العلمية في القرآن:

أ- قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً} [النساء: ٥٦]، هذه الآية فيها من التهديد والوعيد


(١) مباحث في إعجاز القرآن - أ. د. مصطفى السباعي - ص ١٦٢.
(٢) الظلال ح ٥/ ٢٢٥٢.
(٣) الإعجاز القرآني في تشريع الحدود.
(٤) الموطأ للإمام مالك - ح ٢/ ٦٤٢ كتاب الأشربة باب حد الخمر - ص ٢٥.
(٥) تفسير المنار - ح ١/ ٢٠٦، ٢٠٧.
(٦) رواه الترمذي (جزء من حديث طويل) وقال عنه: حديث حسن.
(٧) انظر ثقافة الداعية للقرضاوي - ص ١٥.
(٨) الإعجاز العلمي في القرآن الكريم - ص ١٤.
(٩) انظر هذه الضوابط بالتفصيل - الإعجاز العلمي - د. عبد السلام اللوح - ص ١٦٢ - ١٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>