بلاغته وفصاحته ومن حاول ذلك فمثله كمثل من يحاول أن يصعد إلى السماء بلا أجهزة ولا سلم أو يحاول أن يطير في الجو بلا أجنحة ولا آلات.
لأن القرآن الكريم أنزله الله على العرب وهم أرباب اللغة والبيان فلم يستطيعوا أن يأتوا بسورة من مثله، وهذا دليل واضح على إعجازه، فلو تُرجم القرآن ترجمة حرفية لضاعت خواص القرآن البلاغية ولنزل عن مرتبته المعجزة إلى مرتبة تدخل تحت طوق البشر والدليل على ذلك إذا أراد المترجم أن يترجم قوله تعالى ترجمة حرفية: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: ٢٩]، أتى المترجم بكلام يدل على النهي عن ربط اليد في العنق وعن مدها غاية المد، مع مراعاة الترتيب في الأصل، ولكن هذه الترجمة لا توضح المقصد والمعنى الحقيقي لهذه الآية الكريمة، وعلى هذا: فالترجمة الحرفية لا يمكن أن تقوم مقام الأصل في تحصيل كل ما يقصد منه لما يترتب عليها من ضياع هذا الغرض.
ثانياً: الترجمة التفسيرية أو المعنوية:
أجازها العلماء وذلك لأن المترجم إذا أراد أن يترجم هذه الآية ترجمة تفسيرية، فإنه يأتي بالنهي عن التبذير والتقتير في أبشع صورة منفرة فتأتي منها بعبارة تدل على هذا النهي المراد في أسلوب يترك في نفس المترجم لهم أكثر الأثر في استبشاع التقتير والتبذير دون رعاية الأصل في نظم وترتيب الآية.
إذن يمكن أن يعبر العالم عما فهمه من معاني القرآن حسب وسعه وطاقته بلغة أخرى ليبين لأهلها ما ما أدركه فكره من هداية القرآن وما استنبطه من أحكامه أو وقف عليه من عبره ومواعظه لكن لا يعتبر شرحه لتلك غير اللغة العربية قرآناً ولا ينزل منزلته من جميع النواحي، بل هو نظير تفسير القرآن باللغة العربية في تقريب المعاني والمساعدة على الاعتبار واستنباط الأحكام، ولا يسمى ذلك التفسير قرآناً، وعلى هذا يجوز للجنب والكفار مس ترجمة معاني القرآن بغير اللغة العربية، كما يجوز مسهم تفسيره باللغة العربية.
[شروط الترجمة]
أولاً: أن تكون الترجمة على شاكلة التفسير، لا يعول عليها إلا إذا كانت معتمدة على علوم اللغة، وعلوم القرآن.
ثانياً: معرفة المترجم لأوضاع اللغتين لغة الأصل ولغة الترجمة.
ثالثاً: معرفة أساليب وخصائص اللغتين.
رابعاً: وفاء الترجمة بجميع معاني الأصل ومقاصده.
خامساً: أن يكتب القرآن أولاً، ثم يؤتى بعده بتفسيره، ثم يتبع هذا بترجمته التفسيرية حتى لا يتوهم متوهم أن هذه الترجمة ترجمة حرفية للقرآن
سادساً: أن يكون المترجم بعيداً عن الميل إلى عقيدة زائفة تخالف ما جاء به القرآن، وهذا شرط في المفسر أيضاً.
ملاحظة: إن الكتابة للآيات بالحروف اللاتينية أو الإنجليزية التي تبقي الكلام القرآني كما هو لا يدخل في موضوع الترجمة وإنما هو كتابة خطية بحروف غير عربية.