للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والظاهر أن أبا حيان أورد نفس التعريف الذي سبقه، بدون زيادة، ثم قام بشرحه فقال: "فقولنا: علم هو جنس يشمل سائر العلوم، وقولنا: يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن هذا هو علم القراءات، وقولنا: ومدلولاتها أي مدلولات تلك الألفاظ، وهذا هو علم اللغة الذي يحتاج إليه في هذا العلم، وقولنا: وأحكامها الإفرادية، والتركيبية هذا يشمل علم التصريف، وعلم الإعراب، وعلم البيان، وعلم البديع، وقولنا: ومعانيها التي تحمل بها حالة التركيب: شمل بقوله التي تحمل عليها ما دلالته عليه بالحقيقة، وما دلالته عليه بالمجاز، فإن التركيب قد يقضي بظاهره شيئاً، ويصد عن الحمل على الظاهر صاد فيحتاج لأجل ذلك أن يحمل على الظاهر وهو المجاز، وقولنا: وتتمات لذلك، هو معرفة النسخ، وسبب النزول وقصة توضح بعض ما انبهم في القرآن ونحو ذلك" (١).

وخلاصة القول في تعريف التفسير اصطلاحاً: أنه علم يفهم به مراد الله في كتابه المنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- من بيان لمعانيه، واستخراجٍ للحِكَم والأَحكَام عبر علوم وضوابط حددها العلماء سيأتي بيانها في أنواع التفسير.

وهذا التعريف تحاشى فيه الباحث من الفهم بدون ضوابط، وعن التكرار الذي انتقدناه في تعريف الزركشي، وذِكْرِ جانبِ الفهم والبيان للألفاظ والتراكيب الذي أغفله السيوطي، وذكر العلوم والضوابط التي حددها العلماء إيضاحاً للتعريفين الأخيرين، والله أعلم.

أنواع التفسير

روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: "التفسير أربعة: حلال وحرام لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير تقره العرب بألسنتها، وتفسير تفسّره العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله تعالى" (٢).

وقال آخرون: التفسير ثلاثة أقسام: تفسير بالرواية، ويسمى التفسير بالمأثور، وتفسير بالدراية، ويسمى التفسير بالرأي. وتفسير الإشارة، ويسمى التفسير الإشاري، ويضيف بعضهم قسما رابعا، وهو تفسير باطني، ويسمى التفسير الباطني.

[١ - التفسير بالمأثور (بالرواية)، وأقسامه]

وهو تفسير القرآن بالمنقول سواء كان قرآناً أو مأثوراً عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو عن الصحابة، ومعتمد هذا التفسير هو النقل كتفسير ابن جرير الطبري (٣)، وغيره، وهذه هي إحدى طرق التفسير، قال ابن تيمية: "فإن قال قائل: فما أحسن طرقُ التفسير؟ فالجواب: أن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن؛ فما أُجمِل في مكان فإنه قد فُسِرَ في موضع آخر،


(١) المصدر نفسه ١/ ١٢٢.
(٢) تفسير الطبري: (١: ٣٤)، وإيضاح الوقف والابتداء (١: ١٠١)، وقد اعتمد الطبري (ت: ٣١٠) على هذا الأثر في ذكر الوجوه التي من قِبَلها يوصل إلى معرفة تأويل القرآن.
(٣) هو الإمام أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري الإمام الجامع للعلوم المجتهد، ولد سنة أربع وعشرين ومائتين للهجرة في آمل طبرستان، ورحل إلى بغداد واستقربه المقام بها حتى توفى سنة عشر وثلاثمائة، انظر: طبقات الشافعية الكبرى، تاج الدين بن علي بن عبد الكافي السبكي ٣/ ١٢٠، تحقيق: د. محمود محمد الطناحي ود. عبد الفتاح محمد الحلو، هجر للطباعة والنشر والتوزيع، ط/الثانية ١٤١٣ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>