للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه الروايات الصحيحة تؤكد نزولهما ليلاً.

٢ - الآيات والسور المختلف في نزولها ليلاً:

هنالك آيات تكلم العلماء في نزولها ليلاً؛ ولكن اختلفت فيها أقوالهم بسبب ضعف الرواية وعدم صحتها، أو لأنها محتملة، أو لتعارضها مع روايات أخرى، وهي على النحو التالي:

أولاً: آيات تحويل القبلة:

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ" (١).

وعنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَنَزَلَتْ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ في السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِى سَلِمَةَ وَهُمْ رُكُوعٌ في صَلاةِ الْفَجْرِ وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً فَنَادَى أَلا إِنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ. فَمَالُوا كَمَا هُمْ نَحْوَ الْقِبْلَةِ " (٢).

وعَنْ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى أَجْدَادِهِ ـ أَوْ قَالَ أَخْوَالِهِ ـ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَأَنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلاةٍ صَلَّاهَا صَلاةَ الْعَصْرِ وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ مَكَّةَ فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ " (٣).

قال ابن حجر: " الأقوى أن نزولها كان نهارا، والجواب عن حديث ابن عمر أن الخبر وصل وقت العصر إلى من هو داخل المدينة وهم بنو حارثة، ووصل وقت الصبح إلى من هو خارج المدينة وهم بنو عمرو بن عوف أهل قباء، وقوله قد أنزل عليه الليلة مجاز من إطلاق الليلة على بعض اليوم الماضي والذي يليه "، وقال السيوطي بعد نقله لكلام ابن حجر " فهذا يقتضي أنها نزلت نهارا بين الظهر والعصر" (٤).

والأرجح أنها نزلت ليلاً؛ لأن حديث أنس لا يعارض رواية ابن عمر، لأن حديث أنس في وقت بلوغ الخبر لبني سلمة كما في قوله: "فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِى سَلِمَةَ وَهُمْ رُكُوعٌ في صَلاةِ الْفَجْرِ وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً فَنَادَى أَلا إِنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ "، وابن عمر يتحدث عن وقت نزولها، وقرينة النص تدل على ذلك: " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا " فهو يتحدث عن نفس الليلة، وهو يؤكد أنها نزلت ليلاً، وهي


(١) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: التفسير باب: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ إِلَى قَوْلِهِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنْ الظَّالِمِينَ} ح رقم ٤٤٩٠، ومسلم في كتاب: المساجد ومواضع الصلاة باب: تحويلة القبلة من القدس إلى الكعبة ح رقم ٥٢٦.
(٢) أخرجه مسلم في كتاب: المساجد ومواضع الصلاة باب: تحويلة القبلة من القدس إلى الكعبة ح رقم ٥٢٧.
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: التفسير باب: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ح رقم ٤٤٨٦، ومسلم في كتاب: المساجد ومواضع الصلاة باب: تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة ح رقم ٥٢٥.
(٤) الإتقان في علوم القرآن (١/ ٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>