للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم نزل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل: ١]. لا نقول: هذه الآيات أو هذه السورة سبب نزولها ماذا؟ قصة أصحاب الفيل نقول: لا، قصة أصحاب الفيل تضمنت السورة بيانًا لحادثةٍ قد وقعت ومضى عليها الزمان الطويل حينئذٍ ليس ثم ارتباط بين السورة وبين هذه القصة، إذًا ما نزلت الآية أو الآيات متحدثةً عنه أو مبينةً لحكمه أيام وقوعه هذا فيه ردٌ على كل من وضع أمام قصةٍ من قصص الأنبياء أو سورةٍ تضمنت حادثة سابقة ربطها بماذا؟ بتلك الحادثة نقول: لا، جاءت هذه الآيات مبينة لحادثةٍ واقعةٍ في زمنٍ قد مضى، تحدثت كما تتحدث الآيات عن نوحٍ مع قومه، أو عن هودٍ مع قومه، أو عن صالحٍ، أو شعيب مع قومه هل نزلت هذه الآيات بسبب قوم نوح؟ لا، سورة نوح نقول: نزلت بسبب قوم نوح؟ الجواب: لا، وإنما تضمنت حادثة وواقعة وحكايةً لحالة أممٍ قد خلت في هذه السورة وليس ثَمَّ ارتباط من حيث النزول، يعني لم يكن سبب نزول الآيات هو تلك الحادثة (١).

طريق معرفة سبب النزول (٢):

لا طريق لمعرفة أسباب النزول إلا النقل الصحيح، ولا مجال للعقل فيه إلا بالتمحيص والترجيح، قال الواحدي: "لا يحل القول في أسباب نزول القرآن بالرواية والسماع، إلا ممن شاهدوا التنزيل، ووقفوا على الأسباب وبحثوا عن عللها" (٣).

وعلى هذا فإن رُوي سبب النزول عن صحابي فهو مقبول، وإن لم يعزز برواية أخرى، لأن قول الصحابي فيما لا مجال للرأي فيه حكمه المرفوع إلى النبي.

وأما ما روي من سبب النزول بحديث مرسل، أي سقط من سنده الصحابي وانتهى إلى التابعي، ففي حكمه قولان:

الأول: تقبل بأربعة شروط:

١ - التصريح بالسبب.

٢ - صحة الإسناد.

٣ - أن يكون من أئمة التفسير الذين أخذوا عن الصحابة.

٤ - أن يعتضد برواية تابعي آخر تتوفر فيه هذه الشروط. وهو قول السيوطي وجماعة.

الثاني: لا تُقبل لأنها في حكم الحديث المرفوع وهو مرسل من التابعي، والمرسل لون من ألوان الحديث الضعيف وبالتالي فهو غير مقبول، والله أعلم.

إذن لاتقبل رواية التابعي إلا إذا صح سنده، واعتضد بمرسل آخر، وكان الراوي له من أئمة التفسير الآخذين عن الصحابة مباشرة كمجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير.

[أقسام أسباب النزول]

ينقسم القرآن الكريم من حيث سبب النزول وعدمه إلى قسمين:

القسم الأول: قسم نزل من الله ابتداء غير مرتبط بسبب من الأسباب الخاصة إنما هو لمحض هداية الخلق إلى الحق، وإرشادهم على الأفضل في هذه الحياة، وهو كثير ظاهر في القرآن الكريم.

القسم الثاني: قسم نزل مرتبطاً بسبب من الأسباب الخاصة وهو موضوع البحث، وهو كثير في القرآن الكريم، مثل حديث الإفك، أو إجابة عن سؤال، أو بيان لأمر يتعلق بحادثة معينة (٤).


(١) انظر: شرح منظومة التفسير، الشيخ عبد العزيز الزمزمي، شرحه وعلق عليه الشيخ أحمد بن عمر الحازمي (الشريط السادس).
(٢) مناهل العرفان - الزرقاني - ج ١ ص ١٠٦.
(٣) المدخل لدراسة القرآن - ص ١٣٤ - ١٣٥، مناهل العرفان - ج ١ ص ١١٤.
(٤) الإتقان - السيوطي - ج ١ ص ٢٩ بتصريف، مناهل العرفان - الزرقاني - ج ١ ص ١٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>