للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لضبط الحروف وحفظ شيوخهم فيها، ومع كل واحد منهم فى طبقته ما يبلغها عدد التواتر، لأن القرآن قد تلقاه من أهل كل بلد بقراءة إمامهم الجم الغفير عن مثلهم، وكذلك دائماً مع تلقى الأمة لقراءة كل منهم بالقبول.

قال السخاوى: "ولا يقدح فى تواتر القراءات السبع (١) إذا أسندت من طريق الآحاد، كما لو قلت: أخبرنى فلان عن فلان أنه رأى مدينة سمرقند - مثلاً - وقد عُلم وجودها بطريق التواتر لم يقدح ذلك فيما سبق من العلم بها " (٢).

وهذا التواتر المذكور شامل للأصول والفرش وهذا هو الذى عليه المحققون (٣).

والمراد بالأصول الأحكام الكلية المطردة الجارية فى كل ما تحقق فيه شرط ذلك الحكم كالمد والقصر والإظهار والإدغام والإقلاب وغيرها، والمراد بالفرش ما يذكر فى السورة من كيفية قراءة كل كلمة قرآنية مختلف فيها بين القراء مع عزو كل قراءة إلى صاحبها، ويسمى فرش الحروف وسماه بعضهم بالفروع مقابلة للأصول وذلك كاختلافهم فى قراءة " يخدعون، ننسخ، ننشزها، فتبينوا" وهذا هو الذى يؤثر فى المعنى دون الأول.

[السبب الداعى للاقتصار على القراء المشهورين]

قال الدمياطى: "ليعلم أن السبب الداعى إلى أخذ القراءة عن القراء المشهورين دون غيرهم، أنه لما كثر الاختلاف فيما يحتمله رسم المصاحف العثمانية التى وجه بها عثمان - رضى الله عنه - إلى الأمصار، وحبس بالمدينة واحداً وأمسك لنفسه واحداً الذى يقال له: الإمام، فصار أهل الأهواء والبدع يقرأون بما لا يحل تلاوته وفاقاً لبدعتهم، أجمع رأى المسلمين أن يتفقوا على قراءات أئمة ثقات تجردوا للاعتناء بشأن القرآن العظيم، فاختاروا من كل مصر وجه إليه مصحف - اختاروا - أئمة مشهورين بالثقة والأمانة فى النقل وحسن الدراية وكمال العلم أفنوا عمرهم فى القراءة والإقراء، واشتهر أمرهم، وأجمع أهل مصرهم على عدالتهم ولم تخرج قراءتهم عن خط وصحفهم، ثم إن القراء الموصوفين بما ذكر بعد ذلك تفرقوا فى البلاد وخلفهم الأئمة لذلك ميزاناً يرجع إليه وهو السند والرسم والعربية " (٤)

يقصد بذلك الضوابط الثلاثة الموضوعة لقبول القراءة والمذكورة فى هذا البحث فى مواضع متعددة. ومن خلال هذا النقل النفيس عن الدمياطى نتيقن من أن انحصار أخذ القراءة عن هؤلاء الأئمة المشهورين لا يعنى بحال من الأحوال ألا يكون أحد عليماً بالقراءات سواهم.

ثانياً: القراء الأربعة تتمة الأربعة عشر

١ - أبو الحسن البصرى (٥)

هو الإمام أبو سعيد الحسن بن الحسن يسار البصرى، تابعى جليل، ولد فى خلافة عمر سنة إحدى وعشرين، وتوفى سنة عشر ومائة من الهجرة المباركة.

لقى من الصحابة على بن أبى طالب وأم سلمة أم المؤمنين - رضى الله عنها - وأخذ عن سمرة بن جندب، يُشهد له بالورع والزهد، وكان إماماً فى القراءات والتفسير والفقه وغير ذلك من العلوم الإسلامية.


(١) قلت: بل العشر على التحقيق.
(٢) نقله القاسمى فى مقدمة محاسن التأويل - ١/ ٣٠٤.
(٣) إتحاف فضلاء البشر - ص ٩.
(٤) إتحاف فضلاء البشر - ص ٧، ٨.
(٥) معرفة القراء ١/ ٦٥، سير أعلام النبلاء ٤/ ٥٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>