للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأرض نوّخها الإله طروقة ... للماء حتّى كلّ زند مسفد

والأرض معقلنا وكانت أمّنا ... فيها مقابرنا وفيها نولد

وأنشد أحمد بن عبيدة (١):

نأوي إلى أمّ لنا تعتصب ... كما ولها أنف عزيز وذنب

وحاجب ما إن نواريها الغصب ... من السحاب ترتدي وتنتقب

يعني: نصبه كما وصف لها. وسميت الفاتحة أمّا لهذه المعاني.

وقال الحسين بن الفضل: "سميت بذلك لأنها إمام لجميع القرآن تقرأ في كل صلاة وتقدم على كل سورة، كما أن أمّ القرى إمام لأهل الإسلام، وقال ابن كيسان: سميت بذلك لأنها تامة في الفضل" (٢).

وقيل: أصالتها من حيث أنَّها محكمةٌ لم يتطرَّق إليها نسخٌ، من قوله تعالى: {مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ}] آل عمران: ٧] (٣).

ثالثا: - أمُّ القرآن:

واختلف فيه أيضا، فجوزه الجمهور ومنهم الحسن الذي كره تسميتها بأمِّ الكتاب، وكرهه أنس وابن سيرين، والأحاديث الثابتة ترد هذين القولين (٤).

وقد ورد تسميتُها بذلك في أحاديث كثيرة:

منها حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كلُّ صلاةٍ لا يُقرأ فيها بأمِّ القرآن فهي خِدَاجٌ" خرَّجه مُسْلِمٌ (٥).

وخرَّج من حديث عُبادة أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بأمِّ القرآن" (٦).

[الرابع: - السبع المثاني]

وقد فسَّرها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالفاتحة كما سيأتي ذكره، وذكر وكيع في "كتابه" عن سفيان عن عمرو بن ميمون عن أبي مسعود الأنصاريِّ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: " {وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ}] الحجر: ٨٧ [قال: فاتحة الكتاب".

وممن قال (الفاتحة هي السبع المثاني): ابنُ عبَّاسٍ وابنُ عمر والحسن ومجاهدٌ وعكرمةُ وخلقٌ كثيرٌ.

واختلف في سبب تسميتها بالمثاني على أقوال:

أحدها: إذ هي سبع آياتٍ اتِّفاقاً (٧)، وليس في القرآن ما هو كذلك سواها (٨)، إنْ غَيَّر بعضُهم عَدّ التَّسمية آية دون {صراط الذين أنعمتَ عليهم}، وبعضُهم عَكَس (٩)، وهذا القول هو المشهور (١٠).


(١) لسان العرب: ١٥/ ١٦٨
(٢) تفسير الثعلبي: ١/ ١٢٧.
(٣) انظر: تفسير الفاتحة، الحافظ أبو الفرج عبدالرحمن بن أحمد بن رجب الدمشقي الحنبلي: ١٦.
(٤) انظر: تفسير القرطبي: ١/ ١١٢.
(٥) صحيح مسلم: (٣٩٥).
(٦) صحيح مسلم: (٣٩٤).
(٧) اتفق القراء والمفسرون بأنها سبع آيات، ولم يشذ عن ذلك إلا الحسن البصري فقال هي ثمان آيات، وإلا الحسين الجعفي فقال هي ست آيات، وقال البعض أنها تسع آيات، ويتعين حينئذ كون البسملة ليست من الفاتحة لتكون سبع آيات ومن عدّ البسملة أدمج الآيتين. (انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور: ١/ ١٣٥).
(٨) ليس في القرآن سورة هي سبع آيات سوى " الفاتحة "، و " أرأيت " ولا ثالث لهما.
قال جعفر بن أحمد بن الحسين السرّاج البغدادي في أرجوزته التي نظم فيها النظائر:
فَسُوْرَةُ الحَمْدِ لَهَا نَظِيْرَهْ ... أَرَأَيْتَ إِنْ أَنْتَ قَرَأْتَ السُّوْرَه
كلاهما إذا عددتَّ سبعُ. ... وليس للحق اليقين دفعُ
(انظر: أرجوزة في نظائر القرآن العظيم ل ٢٠ نسخة مكتبة بلدية الإسكندرية، ومنها نسخة مصورة بمعهد البحوث العلمية برقم ١١٤٣) وهو جعفر بن أحمد بن الحسين أبو محمد السراج البغدادي القارئ، كان عالما بالقراءات والنحو واللغة، كثير التصنيف، توفي سنة خمسمائة. سير أعلام النبلاء ١٩/ ٢٨٨ وبغية الوعاة ١/ ٤٨٥.
(٩) انظر في: البيان في عد آي القرآن، لأبي عمرو الداني ١٣٩.
(١٠) وأما تأويل اسمها أنها " السَّبْعُ "، فإنها سبعُ آيات، لا خلاف بين الجميع من القرَّاء والعلماء في ذلك، وإنما اختلفوا في الآي التي صارت بها سبع آيات:
القول الأول: فقال معظم أهل الكوفة ومكة: صارت سبع آيات بـ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ورُوي ذلك عن جماعة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والتابعين والشافعي يعد البسملة آية منها.
القول الثاني: قالوا هي سبع آيات، وليس منهن (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ولكن السابعة (أنعمت عليهم)، وذلك قول معظم قَرَأةِ أهل المدينة والبصرة والشام ومُتْقنيهم ومنهم الإمام مالك.
قال الطيبي: وعدّ التسمية أولى؛ لأن (أنعمت عليهم) لا يناسب وزانه وزان فواصل السور، ولما روى البغوي (هو الحسن بن مسعود بن محمد محيي السنة أبو محمد البغوي الشافعي المفسر، كان سيدا إماما، عالما علامة، زاهدا قانعا بالسير، توفي سنة ست عشرة وخمسمائة. سير أعلام النبلاء ١٩/ ٤٣٩ وطبقات الشافعية الكبرى ٧/ ٧٥.) في " شرح السنة " عن ابن عباس أنه قال: " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الآية السابعة " (رواه الشافعي في المسند ٧٩ ومن طريقه البغوي في شرح السنة ٣/ ٥٠ من طريق عبد المجيد، والطبري في تفسير الطبري ١٤/ ٥٥ من طريق يحيى الأموي، والحاكم في المستدرك ٢/ ٢٥٧ من طريق حفص بن غياث، والبيهقي في السنن الكبرى ٢/ ٤٤ من طريق حجاج بن محمد الأعور، وحفص بن غياث، والطحاوي في شرح معاني الآثار ١/ ٢٠٠ من طريق أبي عاصم كلهم (عبد المجيد، ويحيى وحفص، وحجاج، وأبو عاصم) عن ابن جريح عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.
وصحح السيوطي سنده في الإتقان ١/ ٢٤٦ وفي التصحيح نظر، فإن في سنده عبد العزيز بن جريج، قال الحافظ بن حجر عنه: لين، التقريب ٦١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>