للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإعجاز اصطلاحاً: كون القرآن الكريم أمراً خارقاً للعادة لم يستطع أحداً معارضته برغم تصدي الناس له (١)، أو هو ضعف القدرة الإنسانية في محاولة المعجزة، ثم استمرار هذا الضعف على تراخي الزمن (٢).

[أ- الإعجاز البياني]

يعدّ الإعجاز البياني من أعظم وجوه الإعجاز لأنه ينتظم في القرآن كله، فلا تخلو منه سورة على قصرها أو على طولها، بل هو في كل آية من آيات القرآن الكريم، وقد تحدث العلماء والمفسرون عن الإعجاز القرآني قديماً وحديثاً حيث أجمع هؤلاء أن القرآن الكريم معجزة بيانية تحدى الله بها العرب وغيرهم فثبت عجز البشر جميعاً أمام إعجازه (٣)، وقد سجل القرآن الكريم هذه الحقيقة بقوله: {{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء ٨٨].

والاعجاز البياني هو بيان القرآن وفصاحته وبلاغته، وفي أسلوبه المتميز عن باقي أساليب العرب حيث جاء القرآن الكريم بأفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف، متضمناً أصح المعاني، كذلك ترتيب ألفاظ القرآن الكريم في آياته وجمله، ثم ترتيب هذه الجمل للآيات في السورة (٤).

ويمثل الإعجاز البياني في حروف القرآن وأصواتها، والكلمات ومخارجها (٥)، يقول ابن عطية: "وكتاب الله تعالى لو نزعت منه لفظة في أدير لسان العرب على لفظة غيرها لم يوجد" (٦).

وكذلك يمثل الإعجاز البياني في طريقة التعبير التي انفرد بها القرآن الكريم، وأيضاً يتمثل في وجود الفاصلة القرآنية التي تعني مناسبة ختم الآية لما سبق (٧).

ونزل القرآن الكريم على العرب وكانوا أصحاب وأرباب البلاغة والبيان وذلك لأنهم تميزوا بسلامة السليقة وسرعة البديهة، فعندما تحداهم القرآن على أن يأتوا بمثله لم يستطيعوا ووقفوا عاجزين حائرين لا يستطيعون ذلك على الرغم من أن القرآن الكريم نزل باللغة التي يعرفونها ويتكلمون بها، لذا نجد أن القرآن تحداهم أن يأتوا بمثل القرآن، يقول تعالى {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور: ٣٤].

ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور فقال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [هود: ١٣ - ١٤].

فلما عجزوا تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يونس: ٣٨].

ثم أخيراً تحداهم أن يأتوا بسورة تشبه القرآن فقال سبحانه وتعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ} [البقرة: ٢٣ - ٢٤] (٨).

[ب- الإعجاز التشريعي]

- التشريع لغة: مصدر شرّع: بمعنى سنَّ، وقد سمي ما شرع الله لعباده شريعة كالصلاة والصوم والزكاة والحج وغير ذلك (٩).

- التشريع اصطلاحاً: هو شرعة الله لعباده من أحكام اعتقادية أو عملية أو خُلقية (١٠).

- الإعجاز التشريعي: هو سمو التشريعات القرآنية وشمولها وكمالها إلى الحد الذي تعجز عنه كل القوانين البشرية مهما بلغت على أن تأتي بمثل تشريعات القرآن الكريم (١١).

أو هو عجز البشر محاكاة التشريع القرآني، وإداراكهم كل ما فيه من أسرار تشريعية (١٢).

[ومن نماذج من الإعجاز التشريعي]

١ - في العبادات: الوضوء والتيمم والغسل: أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين بالوضوء عند القيام إلى الصلاة، وجعل الوضوء شرطاً للصلاة، فإذا لم يتمكنوا من استعمال الماء فعليهم بالتيمم قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ............. } [المائدة: ٦].

وتشير الآية إلى الحكمة من هذا التشريع يقول تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ..... } [المائدة: ٦].

إن اشتراط الاغتسال للجنب هو تطهيره وليتم نعمته عليه، وحتى يشكره على نعمه الكثيرة، والحكمة من الوضوء والتيمم والغسل ليس النظافة فحسب بل العبادة (١٣)، يقول سيد قطب: "يبدو أن حكمة الوضوء أو الغسل ليست هي مجرد النظافة، وإلا فإن البديل من أحدهما أو من كليهما لا يحقق هذه الحكمة فلا بد إذن من حكمة أخرى للوضوء أو الغسل تكون متحققة

كذلك في التيمم، وأما حكمة الاغتسال من الجنابة {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ... }] المائدة: ٦]، فهي حركة عملية عن معنى نفسي، إن الإنسان عندما يقضي شهوته فإنه يحقق حاجة فطرية ونفسية أصيلة في كيانه، ثم إن كل جزء من أعضاء جسمه متلذذ من قضاء الشهوة ويشارك في هذه العملية الجنسية، لذا كان الاغتسال شكر لله الذي يسر له قضاء شهوته، شكر لله، لأن كل جزء شارك في الاستمتاع والتلذذ عند قضاء الشهوة، لذلك ختمت الآية بقوله: {ولعلكم تشكرون} " (١٤).

٢ - في المعاملات: تحريم الربا: حرم الله الربا في آيات صريحة وأعلن الحرب على المرابين، وتوعد بمحق الربا يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا


(١) فكرة الإعجاز - نعيم الحمصي - ص ٩.
(٢) إعجاز القرآن للرافعي - ص ١٣٩.
(٣) مباحث في إعجاز القرآن الكريم- ص ١٦٥ بتصرف، أ. د. مصطفى مسلم ص ١٥٤.
(٤) موجز في إعجاز القرآن - المرجع السابق ص ١٥٤.
(٥) موجز في إعجاز القرآن - أ. د. مصطفى مسلم ص ١٥٤.
(٦) فكرة الإعجاز - نعيم الحمص - ص ٩٥.
(٧) إعجاز القرآن - د. فضل عباس - ص ٦٥ وما بعدها.
(٨) إعجاز القرآن - د. فضل عباس - ص ٣١ - ٣٢.
(٩) لسان العرب - ح ٣/ ٢٣٨.
(١٠) التشريع الإسلامي - مصادره وأدواته - د. سفيان إسماعيل - ص ٧.
(١١) الإعجاز التشريعي في معالجة مشكلة الفقر - ص ٦.
(١٢) القرآن وإعجازه - ص ١٠٢.
(١٣) مباحث في إعجاز القرآن - أ. د. مصطفى السباعي - ص ١٥٥.
(١٤) في ظلال القرآن، سيد قطب: ٥/ ٢٢٥٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>