للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويعقب السراج الطوسي بقوله: "معنى قوله: فنى عن الله بالله، يعنى يذهب عن رؤية طاعة الله عز وجل ورؤية ذكر الله ورؤية محبة الله، بذكر الله له ومحبته قبل الخلق، لأن الخلق بذكره لهم ذكروه، وبمحبته لهم احبوه، وبقديم عنايته بهم أطاعوه (١).

ومثل ما أشار الجنيد بن محمد سيد الصوفية في عصره بقوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل: ٨٨]، إلى سكونه وقلة اضطراب جوارحه عند السماع، وكذلك ما كان يشير به أبو علي الروذبارى إذا رأي أصحابه مجتمعين فيقرأ: {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ} [الشورى: ٢٩] (٢).

وقال أبو القاسم القشيرى في قول الله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء: ٣٣]، لا يجوز قتل نفس الغير بغير الحق، ولا للمرء أن يقتل نفسه أيضا بغير الحق، وكما أن قتل النفس بالحديد وما يقوم مقامه من الآلات محرم، فكذلك القصد إلى هلاك المرأ محرم، ومن انهمك في مخالفة ربه فقد سعى في هلاك نفسه، وقوله: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: ٣٣]، أى تسلطا على القاتل في الاقتصاص منه، وعلى معنى الإشارة إن النصرة من قبل الله ومنصور الحق لا تنكسر سنانه ولا تطيش سهامه (٣).

[ثانيا: - اتجاهات التفسير]

للتفسير اتجاهات وهي:

[١ - الاتجاه اللغوي]

وهو "التفسير الذي يبُنى على قواعد نحوية أو بلاغية، فإن ساعده السياق قُبِل، وإلا أعرضنا عنه، وأخذنا بما يصححه النظر، ويقويه الدليل" (٤).

ويمكن أن نعرِّفه بأنه: الرجوع في تفسير القرآن إلى المعنى العربي الذي استعملته العرب، ويكون ذلك عند عدم النص الشرعي الذي ينقل المعنى اللغوي إلى معنىً آخر.

والتفسير اللغوي على قسمين:

"الأول: أن لا يحتمل اللفظ إلا معنى واحداً، وهذا ما لا يقع فيه خلاف، وهو أشبه بأن يجعل من القسم الذي طريقه السماع لا الاجتهاد، لعدم الحاجة لإعمال الرأي فيه مطلقاً.

الثاني: ما يحتمل أكثر من معنى، والسياق محتمل لها جميعها، ففي مثل هذا يكون التّميّزُ وإعمال الرأي اعتماداً على المعنى اللغوي، ومثال ذلك: تفسير قوله تعالى: {خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ} [المطَّففين: ٢٦]، قال الطبري: "فقال بعضهم: ممزوج مخلوط، مزاجه وخِلطه مسك، وعن عبد الله {مَخْتُوم} قال: ممزوج، {خِتَامُهُ مِسْكٌ} قال: طعمه وريحه، وقيل: أن آخر شرابهم يختم بمسك يجعل فيه" (٥) " (٦).

ولعله يقصد بالتميز أي: بالاجتهاد، وإعمال الرأي اعتماداً على المعنى اللغوي.


(١) اللمع في التصوف: ١٢٦.
(٢) اللمع في التصوف: ١٢٦.
(٣) لطائف الإشارات، القشيري: ٢/ ٣٤٦.
(٤) التفسير والمفسرون للذهبي ٢/ ٣٩٨.
(٥) جامع البيان للطبري ٢٤/ ٢٩٦.
(٦) مصادر التفسير، مساعد الطيار ص ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>