للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَلاةِ الْعَصْرِ حَتَّى احْمَرَّتِ الشَّمْسُ أَوِ اصْفَرَّتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاةِ الْوُسْطَى صَلاةِ الْعَصْرِ مَلأَ اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا" (١).

[ت- تفسير القرآن بقول الصحابي]

إن الصحابة رضوان الله عليهم عايشوا التنزيل، وعرفوا بجملتهم في ماذا أنزلت الآيات، وأعانهم على ذلك أن القرآن نزل إليهم منجماً، ولم ينزل دفعة واحدة، ليكون أرسخ للفهم، وأسهل في الامتثال والتطبيق.

ومثال ذلك تفسير ابن عباس لسورة النصر، وأنها علامةُ أجلِ النبي -صلى الله عليه وسلم-، فعن ابن عباس قال: "كان عمر يُدْخِلني مع أشياخ بدر، فقال بعضهم: لِمَ تُدْخِل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال: إنه ممَّن قد علمتم، قال: فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم، قال: وما رأيته دعاني يومئذ إلا لِيُرِيَهم مني، فقال: ما تقولون في قوله تعالى: : [إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْحُ] {النَّصر: ١}، حتى ختم السورة؟ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا جاء نصرنا وفُتِحَ علينا، وقال بعضهم: لا ندري، فقال لي: يا ابن عباس أكذلك تقول؟ قلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعلمه به: [إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْحُ] {النَّصر: ١}، فتح مكة، فذلك علامة أجلك [فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا] {النَّصر: ٣}، فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تعلم" (٢).

[ث- تفسير القرآن بقول التابعي]

قد اختلف العلماء في تفسير التابعي هل هو من المأثور أم من التفسير بالرأي؟ بمعنى هل نحمله على أنه منقول عن الصحابة رضوان الله عليهم اللذين- عايشوا التنزيل- أم باجتهادٍ منهم.

قال ابن تيمية: "وقال شعبة بن الحجاج (٣): أقوال التابعين في الفروع ليست حجة، فكيف تكون حجة في التفسير؟ ! يعني: أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم، وهذا صحيح، أما إذا أجمعوا على الشيء فلا يُرتَاب في كونه حجة، فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على بعض، ولا على من بعدهم، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن، أو السنة، أو عموم لغة العرب، أو أقوال الصحابة في ذلك" (٤).

ولو رتب ابن تيمية الرجوع إلى لغة القرآن، والسنة، ثم إلى أقوال الصحابة، ثم إلى عموم لغة العرب لكان خيراً من التخيير في الرجوع عند اختلاف أقوال التابعين.


(١) البخاري مع الفتح، باب: الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة ٦/ ٨٩، برقم (٢٩٣١)، ومسلم مع شرح النووي باب: الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر ٥/ ١٢٩، برقم (١٤٥٨).
(٢) البخاري مع الفتح، باب قوله: [فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا] {النَّصر: ٣}: ٨/ ٩١٩.
(٣) هو شعبة بن الحجاج بن الورد الواسطي، أبو بسطام الأزدي العتكي، مولاهم، عالم أهل البصرة في زمانه، وأمير المؤمنين في الحديث، سكن البصرة، ورأى الحسن وسمع منه مسائل، وروى عن أنس وابن سيرين وغيرهم، ولد سنة اثنتين وثمانين، وتوفي سنة ستين ومائة للهجرة، وروى له الجماعة، انظر: الوافي بالوفيات، أبي الصفاء صلاح الدين خليل بن أيبك الألبكي الصفدي ٥/ ٢٠٦، تحقيق: أحمد الأرناؤوط، وتركي مصطفى، دار إحياء التراث- بيروت ١٤٢٠ هـ - ٢٠٠٠ م.
(٤) مقدمة التفسير، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني ص ٤٢، دار مكتبة الحياة-لبنان، ط/١٤٩٠ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>