للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما اختصر من مكان فقد بسط في موضع آخر فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له .. وإذا لم نجد التفسير في القرآن، ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرآن .. ولما لهم من الفهم التام، والعلم الصحيح والعمل الصالح ... ، وإذا لم تجد التفسير في القرآن، ولا في السنة، ولا وجدته عن الصحابة" (١).

فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين" (٢)، وقال الإمام الزركشي: "للناظر في القرآن لطلب التفسير مآخذ كثيرة أمهاتها أربعة:

الأول: النقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا هو الطراز المعلم لكن يجب الحذر من الضعيف منه والموضوع فإنه كثير.

الثاني: الأخذ بقول الصحابي فإن تفسيره عندهم بمنزلة المرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي الرجوع إلى قول التابعي روايتان.

الثالث: الأخذ بمطلق اللغة؛ فإن القرآن نزل بلسان عربي مبين، وقد ذكره جماعة منهم: أنس بن مالك، وأحمد بن حنبل.

الرابع: التفسير بالمقتضى من معنى الكلام، والمقتضب من قوة الشرع، وهذا هو الذي دعا به النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس رضي الله عنهما في قوله: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" (٣) " (٤).

ومن خلال كلام ابن تيمية يتضح أن التفسير لكتاب الله تعالى يكون بتفسير القرآن بالقرآن ثم بالسنة ثم بأقوال الصحابة ثم يرجع إلى أقوال كبار التابعين

كمجاهد بن جبر (٥)، وهذا هو الذي يسمى بتفسير الرواية.

ومن كلام الزركشي يتبين أن التفسير عنده هو ما جاء تفسيره عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو نُقل تفسيره عن أحد الصحابة، أو عن تابعي إذا رفعه إلى الصحابي آخذاً بمطلق


(١) هو أبو العَباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي، شيخ الإسلام في زمانه وأبرز علمائه، ولد بحرَّان سنة إحدى وستين وستمائة للهجرة، ورحل إلى دمشق مع أسرته هربًا من غزو التتار، تلقى العلم حتى آلت إليه الإمامة، وتوفى سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، انظر: معجم المحدثين للذهبي محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي أبو عبد الله ص ١١، تحقيق: د. محمد الحبيب الهيلة، مكتبة الصديق- الطائف، ط/ الأولى ١٤٠٨ هـ.
(٢) مجموع الفتاوى، أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني ١٣/ ٣٦٣ - ٣٦٨، تحقيق: أنور الباز، وعامر الجزار، دار الوفاء، ط/ الثانية ١٤٢٦ هـ ٢٠٠٥ م بتصرف.
(٣) قوله - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم فقه في الدين) متفق عليه، في البخاري، باب: وضع الماء عند الخلاء ١/ ١٤٩، وفي مسلم باب: فضائل الصحابة ٧/ ١٥٨، وأما قوله: (وعلمه التأويل) فقد أخرجه أحمد في مسند ابن عباس ١/ ٢٣٥، أحمد بن حنبل أبو عبدالله الشيباني، مؤسسة قرطبة - القاهرة، (بدون)، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده قوي على شرط مسلم، ومصنف ابن أبي شيبة، أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي الكوفي ٢/ ٥٢٠، تحقيق: محمد عوامة، دار القبلة (بدون).
(٤) البرهان في علوم القرآن للزركشي ٢/ ١٥٦ - ١٦١، بتصرف يسير.
(٥) هو مجاهد بن جبر الإمام أبو الحجاج المخزومي مولاهم المكي المقري المفسر الحافظ سمع سعداً وعائشة، وأبا هريرة، وأم هانئ، وعبد الله بن عمر وابن عباس ولزمه مدة، وقرأ عليه القرآن وكان أحد أوعية العلم، روى عنه جمع غفير من التابعين وغيرهم، توفى سنة ثلاث ومائة وقد بلغ ثلاثاً وثمانين سنة، انظر: تذكرة الحفاظ، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ١/ ٩٣، تحقيق: زكريا عميرات، دار الكتب العلمية- بيروت ط/ الأولى ١٤١٩ هـ- ١٩٩٨ م.

<<  <  ج: ص:  >  >>