للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بن إسحاق: حدثنا أبان بن صالح، عن مجاهد، قال: عَرضْتُ المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه، وأسأله عنها" (١).

وقال ابن جرير: حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا طَلْق بن غنام، عن عثمان المكي، عن ابن أبي مُلَيْكَة قال: "رأيت مجاهدًا سأل ابن عباس عن تفسير القرآن، ومعه ألواحه، قال: فيقول له ابن عباس: اكتب، حتى سأله عن التفسير كله" (٢).

ولهذا كان سفيان الثوري يقول: "إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به" (٣).

وكسعيد بن جُبَيْر، وعِكْرِمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، ومسروق ابن الأجدع، وسعيد بن المسيب، وأبي العالية، والربيع بن أنس، وقتادة، والضحاك بن مُزاحم، وغيرهم من التابعين وتابعيهم ومن بعدهم، فتذكر أقوالهم في الآية فيقع في عباراتهم تباين في الألفاظ، يحسبها من لا علم عنده اختلافًا فيحكيها أقوالا وليس كذلك، فإن منهم من يعبّر عن الشيء بلازمه أو بنظيره، ومنهم من ينص على الشيء بعينه، والكل بمعنى واحد في كثير من الأماكن، فليتفطن اللبيب لذلك، والله الهادي.

وقال شعبة بن الحجاج وغيره: "أقوال التابعين في الفروع ليست حجة؟ فكيف تكون حجة في التفسير؟ ، يعني: أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم، وهذا صحيح، أما إذا أجمعوا على الشيء فلا يرتاب في كونه حجة، فإن اختلفوا فلا يكون بعضهم حجة على بعض، ولا على من بعدهم، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن أو السنة أو عموم لغة العرب، أو أقوال الصحابة في ذلك " (٤).

فأما تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام (٥)، لما رواه محمد بن جرير، رحمه الله، بسنده عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من قال في القرآن برأيه، أو بما لا يعلم، فليتبوأ مقعده من النار " (٦).

وفي رواية أخرى: "من قال في القرآن برأيه فأصاب، فقد أخطأ " (٧).

لأنه قد تكلف ما لا علم له به، وسلك غير ما أمر به، فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد أخطأ، لأنه لم يأت الأمر من بابه، كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار، وإن وافق حكمه الصواب في نفس الأمر، لكن يكون أخف جرمًا ممن أخطأ، والله أعلم، وهكذا سمى الله القَذَفة كاذبين، فقال: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: ١٣]، فالقاذف كاذب، ولو كان قد قذف من زنى في نفس الأمر، لأنه أخبر بما لا يحل له الإخبار به، ولو كان أخبر بما يعلم، لأنه تكلف ما لا علم له به، والله أعلم.


(١) رواه الطبري في تفسيره (١٠٨) (ص ١/ ٩٠).
(٢) تفسير الطبري (١٠٧) ص ١/ ٩٠.
(٣) أخرجه الطبري في تفسيره (١٠٩): ص ١/ ٩١ من طريق أبي بكر الحنفي سمعت سفيان فذكره.
(٤) تفسير ابن كثير: ١/ ١٠، وانظر: تفسير البغوي: ١/ ١٧، ومقدمة في أصول التفسير ص: ٥٠،
(٥) انظر: شرح مقدمة التفسير: لابن تيمية: ١/ ١٣٩.
(٦) تفسير الطبري (٧٤) ص ١/ ٧٧، وأخرجه الترمذي في سننه: (٢٩٥٢)، وقال حديث حسن، والنسائي في سنن النسائي الكبرى (٨٤ ٨٠)، وأبو داود في سننه (٣٦٥٢)، والحديث مداره على عبد الأعلى بن عامر قال أبو زرعة: ضعيف، وتركه ابن مهدي.
(٧) تفسير الطبري (٨٠) ص ١/ ٧٩. وانظر: سنن أبي داود برقم (٣٦٥٢) وسنن الترمذي برقم (٢٩٥٣)، قال الترمذي: غريب، وسنن النسائي الكبرى برقم (٨٠٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>