للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه" (١)، ثم قال: "فكيفما دار الأمر فمنه صلى الله عليه وسلم عُرفَ ترتيب السور، وعلى ما سمعوه منه بنوا جليل ذلك النظر" (٢)، وإنما الخلاف وقع في فعلهم في ترتيب السور هل كان بتوقيف قولي، أو بمجرد استناد فعلي حيث بقي لهم فيه مجال نظر؟ وحتى لو كان هذا الأمر اجتهادا من الصحابة، فإن الأمر مسلم فيه أيضا، لأنه لا يوجد من هو أفصح، وأعلم بكتاب الله، وبآياته، وسوره، ونزوله من الصحابة رضي الله عنهم، كما أنهم أعملوا في ذلك اجتهادهم الأقصى، وهم الأعلياء بعلمه، والمسلم لهم في وعيه، وفهمه، وهم العارفون بأسباب النزول، ومواقع الكلمات، وإنما ألفوه على ما كانوا يسمعون منه، وهو رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وقد كان نظرهم هذا في ما استقر عليه النبي-صلى الله عليه وسلم- من كان فعله الأكثر، والسند في ذلك بان الترتيب في السور قد روعي فيه التناسب، وإن كان لم يُراعى فيه أسباب النزول، وزمانه ومكانه، بأدلة، وأحاديث رويت منها في صحيح مسلم (٣)، وما روى في مصنف ابن أبي شيبة (٤)، وما نُقل عن الخطابي (٥) والقاضي ابن العربي (٦)، والتأمل بالعقل في ذلك التناسب


(١) البرهان في ترتيب سور القرآن، ابن الزبير الغرناطي: ١٨٢.
(٢) المصدر نفسه: ١٨٣.
(٣) إشارة إلى حديث حذيفة في صلاة القيام: عن حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قال: (صَلَّيْتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فقلت يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ثُمَّ مَضَى فقلت يُصَلِّي بها في رَكْعَةٍ فَمَضَى فقلت يَرْكَعُ بها ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إذا مَرَّ بِآيَةٍ فيها تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وإذا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وإذا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يقول سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا من قِيَامِهِ ثُمَّ قال سمع الله لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمَّ قام طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ فقال سُبْحَانَ رَبِّيَ الأعلى فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا من قِيَامِهِ ... ) رواه مسلم (٧٧٢).
(٤) عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أَنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: "كَانَ يَقْرَأُ فِى صَلاةِ الجُمُعَةِ سُورَةَ الجُمُعَةِ وَالمُنَافِقِينَ" (أخرجه مسلم: ٨٩٧).
وقد روى محمد بن أحمد بن حبان البستي، صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، ط ٢، ٥ (بيروت: مؤسسة الرسالة، ١٤١٤ هـ)، ح ١٨٤١، كتاب الصلاة باب صفة الصلاة، ذكر ما يستحب أن يقرأ به من السور ليلة الجمعة في صلاة المغرب والعشاء، ١٤٩، من حديث جابر بن سمرة قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة بقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، ويقرأ في العشاء الآخرة ليلة الجمعة , الجمعة، والمنافقين). والحديث ضعفه الألباني، سلسلة الأحاديث الضعيفة , ح ٥٥٩ , والأرنؤوط في تعليقه على ابن حبان.
(٥) هو الإمام أحمد بن إبراهيم ابن الخطاب السبتي، أبو سليمان الفقيه، المحدث اللغوي، وله عدة مصنفات، من آثاره: "معالم السنن"، و"إصلاح غلط المحدثين"، و"غريب الحديث" وله شرح على البخاري، توفي سنة: ٣٨٨ هـ. أنظر: الذهبي، تذكرة الحفاظ، ج ٣، ص: ١٠١٨، حيث نُقل عنه قوله: «أن الصحابة لما اجتمعوا على القرآن وضعوا سورة القدر عقب العلق، واستدلوا بذلك على أن المراد بها الكتابة في قوله: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} القدر آية ١، إشارة إلى قوله: إقرأ".
(٦) ابن العربي هو محمد بن عبد الله بن محمد بن العربي الإشبيلي، المالكي، ولد بالأندلس، ورحل إلى المشرق، وعاد إلى وطنه سنة ٤٩١ هـ، وتولى القضاء، وذكر ابن بشكوال في الصلة أن له مصنفات عديدة منها: "عارضة الأحوذي" و"أحكام القرآن" و" العواصم، وشرح موطأ مالك، و"قانون التأويل"، توفي سنة: ٥٤٣ هـ بفاس، ونُقل عنه قوله: « .. وهذا بديع جدا، قلت ومن ظن ممن اعتمد القول بأن ترتيب السور إجتهاد من الصحابة، أنهم لم يراعوا في ذلك التناسب، والإشتباه، فقد سقطت مخاطبته، وإلا فما المراعى في ترتيب النزول؟ وهو غير واضح في ذلك بالقطع، بل هذا معلوم في ترتيب آي القرآن الواقع ترتيبه بأمره عليه الصلاة والسلام، وتوقيفه بغير خلاف ... ». (أنظر ابن الزبير، البرهان، ص: ١٨٤.وتاربخ قضاة الأندلس، ص: ١٠٥. ونفح الطيب، ج ٢، ص: ١٩٩. والأعلام، ج ٦، ص: ٢٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>