للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العبادة والإستعانة. وطلبُ الهداية إلى الصِّراط المُستقيم مُكرَّر بـ {صراط الذين أنعمت عليهم}، كما أنَّ سؤال البُعد عن الطَّريق غير القويم مُكرَّر بِذِكر {المغضوب عليهم ولا الضالين} (١).

فهذه وجوه خمسة في تسميتها بالسَّبع المثاني.

والمثاني تحتمل واحدا من ستة معان:

أحدها: المثاني من الثناء، والثناء لا يكون إلا على الله.

والثاني: المثاني من الثنيّ والإنثناء، وهذه لا تكون إلا في أطراف الأشياء، وأيضا تعني المعاني الخفية أو المتخفية في الإنثناءات، أو المعاني الباطنة، أوالمعاني غير الظاهرة للعيان آنيا، أو هي تلك التي لم يأن آوان ظهورها بعد، والتي سوف تظهر تباعا في القادم من الأزمنة.

والثالث: المثاني من الإزدواجية، أي ثنائية التكوين.

والرابع: المثاني من التثنية، أي العد مثنى مثنى، أو إثنتين إثنتين.

والخامس: وهو امتداد أو هو تفصيل للمعنى الثاني (من الإنثناء)، وحيث تكون المثاني من ظهور معنى ثان لها، وهذا المعنى بدوره يظهر له معنى جديد وهكذا، إلى سبعة أعماق، أو سبعة أبعاد، أو سبعة معاني وكلها صحيح، مما يشير إلى معني المتشابه من الآيات.

والسادس: وهو معنى لا يخص المثاني بذاتها، لكنه يخص العددية الدالة عليها (سبعة)، مما يعني أن مجرد ظهور خاصية معينة متميزة في آيات وسور كتاب الله، في سبعة أشكال أو سبعة تكرارات، أو سبعة سور، أو سبعة آيات، أو سبعة خصال، يصون لها إحتمال كونها من السبع المثاني.

وقيل "أنَّ المثاني تُطلَقُ باعتبار معنيين:

أحدهما: باعتبار ما ثُنِّي لفظُه وكرِّرَ.

والثاني: باعتبار ما ثُنِّيَتْ أنواعُه وأقسامُه، وكرِّرَتْ، فإنَّ التثنية يُرَادُ بها مطلقُ العدد مِنْ غير تخصيصٍ بعدد الاثنين، كما في قوله تعالى: {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ}] الملك: ٤]، أي: مرَّةً بعد مرَّةٍ" (٢).

والقرآن نوعان:

أحدُهما: ما كُرِّر لفظُه لفائدةٍ مجدَّدةٍ، فهذا هو المتشابه.

والثاني: ما نُوِّع وقُسِم ولم يُكرّر لفظُه، فهذا المثاني، وقد جَمَعَ اللهُ بين هذين الوصفين في قوله تعالى: {نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ}] الزمر: ٢٣]، فوصف الكتاب كلَّه بأنَّه متشابهٌ ومثاني، فإمَّا أن يكون تنويعًا إلى هذين النوعين، وهما: النظائر المتماثلة، والمثاني في الأنواع، وإمَّا أن يكون المراد أنَّ آياته المتماثلة ثُنِّيَتْ فيه في مواضع لحِكَمٍ وفوائد متجدّدةٍ، وسورةُ الفاتحة على المثاني بهذين التفسيرين، لأنَّها تضمنت الأنواع والأقسام المعدّدة وذكر العبادة والاستعانة، وذكر المغضوب عليهم والضالين، وتضمنت ذكر النظائر المتماثلة، وثُنِّيت فيها كتكرير {إِيَّاكَ}، و {الصِّرَاطَ}، و {عَلَيْهِمْ}، وتكرير: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} على قول من يقول إنَّ


(١) انظر: الاتقان في علوم القرآن: ١/ ١٥٠.
(٢) تفسير الفاتحة، ابن رجب: ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>