للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرابع: وقالوا: لم تكن صلاة في الإسلام بدون فاتحة الكتاب، ومن المعلوم أن الصلاة شرعت في الأيام الأولى من البعثة، وفرضت الصلوات الخمس في ليلة الإسراء والمعراج، وكانت قبل الهجرة بثلاث سنوات.

قال جلال الدين: "ولم يحفظ صلاة بغير فاتحة الكتاب" (١).

قال ابن كثير: "وهي مكية قاله ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-، وقتادة، وأبو العالية، لقوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي} [الحجر: ٨٧] (٢).

ووجه الاستدلال بهذه الآية على أن سورة الفاتحة مكية، هو أن هذه الآية من سورة الحجر، وسورة الحجر سورة مكية، فهي تتحدث عن الفاتحة، فهذا دليلٌ من القرآن على أن سورة الفاتحة نازلة بمكة، وهذا هو المعروف عند أهل العلم، ولا يلتفت إلى غيره.

واختلف في أول ما نزل من القرآن على أقوال:

أحدها: أن أول ما نزل: {بسم الله الرحمن الرحيم} منفردة.

قال الفخر الخطيب (٣): "وهو قول الأكثرين من الذين قالوا: لم تنزل (المدثر) و (اقرأ) أولا" (٤). ونقله في موضع آخر عن ابن عبَّاسٍ (٥).

الثاني: ان أول ما نزل: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: ١]، كما جاء في حديث جابر الصحيح (٦).

والثالث: وقيل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، وهذا هو الصحيح، فإنه لما أنزل عليه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} رجع فتدثر، فنزل: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} (٧).

واتفق العلماء أن أول ما نزل القرآن على وجه الإطلاق قطعا ً الآيات الخمس الأولي من سورة العلق، وهي قوله تعالي: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥)} [العلق: ١ - ٥]، ثم فتر الوحي مدة، ثم نزلت الآيات الخمس الأولى من سورة المدثر، وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥)} [المدثر: ١ - ٥]، ففي الصحيحين: عن عائشة رضي الله عنها في بدء الوحي قالت: "أول ما بُدئ به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الوحي هو الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبِب إليه الخلوة، وكان يخلو في غار حراء، يتحنث [يتعبد] فيه الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملَك فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجَهد، ثم أرسلني فقال اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، قال فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطنى الثالثة ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} [العلق ١ - ٣]، فرجع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرجف فؤاده، فدخل على زوجته خديجة بنت خويلد ـ رضي الله


(١) الإتقان: ١/ ١٢.
(٢) انظر: المصدر نفسه والصحيفة نفسها.
(٣) هو الرازي، والمعروف أنه يلقب: (بابن الخطيب) أو (ابن خطيب الري).
(٤) مفاتيح الغيب: ١/ ١٤٧.
(٥) انظر: مفاتيح الغيب: ١/ ١٤٧.
(٦) صحيح البخاري: (٨/ ٦٧٦ - ٦٧٧ - رقم: ٤٩٢٢).
(٧) انظر: تفسير الخطيب الشربيني: ٤/ ٤٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>