للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي لم تضمّ فى رحمها ولدا قط، (١) ... وفى آية أخرى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [النحل: ٩٨]، أي: إذا تلوت بعضه فى إثر بعض، حتى يجتمع وينضمّ بعضه إلى بعض ومعناه يصير إلى معنى التأليف والجمع" (٢).

والثاني: أنه سُمي قرآنًا؛ لأن القارئ يُظهرُه ويبينه ويلقيه من فيه، أخذ من قول العرب: ما قَرَأَتِ الناقة سلًا قَط، أي: ما رمت بولد. حكاه قطْرب (٣)، وأبو هيثم (٤)، واللحياني (٥)، واستشهدوا بقول الشاعر (٦):

أَرَاها الوليد أن الخلا فتشذّرتْ ... مرَاحًا ولم يقرأ جنينًا ولا دمَا

معناه: "لم ترمِ بجنين، وسمي قرء المرأة من هذا على مذهب أهل العراق، والقرآن يلفظه القارئ من فيه ويلقيه، فسمي قرآنًا، ومعنى قرأت القرآن: لفظت به مجموعًا" (٧).

قال أبو إسحاق: "وهذا القول ليس بخارج من الصحة وهو حسن. قَرَأْتُه، أي: جَمَعْتُه" (٨).

وذكر الأشعري (٩) -رحمه الله- هذا المعنى في بعض كتبه فقال: "إن كلام الله يسمى قُرآنًا؛ لأن العبارةَ عنه قرن بعضه إلى بعض" (١٠).

قال الفراء: "ظن أن القرآن سمي من القرائن، وذلك أن الآيات يصدق بعضها بعضًا، ويشبه بعضها بعضًا، فهي قرائن، فمذهب هؤلاء أنه غير مهموز" (١١).

القول الثاني: أن كلمة القرآن مشتقة من (قرأ) بمعنى ألقى وأظهر. وهذا قول ابن عباس (١٢).


(١) «أي لم تضم ... قط»: رواه أبو الطيب اللغوي عن أبى عبيدة (الأضداد ٨٠ ب)، وهو فى الأضداد للاصمعى ٦، وأخذه البخاري، وقال ابن حجر: هو قول أبى عبيدة أيضا قاله فى المجاز رواية أبى جعفر المصادرى عنه، وأنشد قول الشاعر: «هجان» البيت.
والسلى بفتح المهملة وتخفيف اللام. وحاصله أن القرآن عنده من «قرأ» بمعنى جمع، لا من «قرأ» بمعنى تلا. (فتح الباري ٨/ ٣٤٠)
(٢) مجاز القرآن: ١/ ٢ - ٣.
(٣) انظر: تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩١٢، "التفسير الكبير" ٥/ ٨٦.
(٤) تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩١٢، "اللسان" ٦/ ٣٥٦٥.
(٥) تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩١٢، "اللسان" ٦/ ٣٥٦٥.
(٦) البيت لحميد بن ثور في "ديوانه" ص ٢١، "لسان العرب" ٦/ ٣٥٦٥ (قرأ).
(٧) تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩١٢، "اللسان" ٦/ ٣٥٦٥.
(٨) "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩١٢.
(٩) هو: علي بن إسماعيل بن أبي بشر، أبو الحسن تتلمذ في العقائد على الجبائي زوج أمه، وبرع في علمي الكلام والجدل على طريقة المعتزلة، ثم رجع فرد عليهم، وشُهر بمذهب ينسب إليه، وقيل إنه رجع بعده إلى مذهب السلف، له: "مقالات الإسلاميين"، و"الإبانة"، توفي سنة ٣٢٤ هـ. انظر: "شذرات الذهب" ٢/ ٣٠٣، "الأعلام" ٤/ ٢٦٣.
(٤) في (م): (كتاب).
(١٠) البرهان، للزركشي: ١/ ٢٧٨. ونقله الواحدي في التفسير البسيط: ٣/ ٥٧٦، وهذا مذهب الأشاعرة واعتقاد السلف إثبات صفة الكلام لله تعالى على الوجه اللائق به سبحانه من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل على حد قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١].
(١١) نقلا عن التفسير البسيط: ٣/ ٥٧٧، والتفسير الكبير: ٥/ ٨٦.
(١٢) حكاه عنه الماوردي في النكت والعيون: ١/ ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>