للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القاسمي: " وتقديم ذكر السمع والطاعة على طلب الغفران لما أن تقديم الوسيلة على المسؤول أدعى إلى الإجابة والقبول" (١).

وانتصب قوله تعالى {غُفْرَانَكَ} [البقرة: ٢٨٦]، لكونه مصدر وقع في موضع أمر، ومثله: الصلاة الصلاة (٢)، "وكذلك تفعل العرب بالمصادر والأسماء إذا حلت محل الأمر، وأدت عن معنى الأمر نصبتها" (٣)، كما قال الشاعر (٤):

إن قوما منهم عمير وأشبا ... هـ عمير ومنهم السفاح

لجديرون بالوفاء إذا قا ... ل أخو النجدة: السلاح السلاح! !

قال الفراء: "ومثله أن تقول: يا هؤلاء الليل فبادروا، أنت تريد: هذا الليل فبادروا. ومن نصب الليل أعمل فيه فعلا مضمرا قبله. ولو قيل: غفرانك ربنا لجاز" (٥).

قال الزجاج: " أي أغفر غُفْرانَك، و (فُعْلان)، من أسْمَاءِ الْمَصَادِر نحو السُّلوان والكُفْران" (٦).

قوله تعالى: {وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: ٢٨٥]، أي: " وإليك يا ربنا مرجعنا ومعادنا" (٧).

قال القاسمي: " أي الرجوع بالموت والبعث لا إلى غيرك، وهو تذييل لما قبله مقرر للحاجة إلى المغفرة، لما أن الرجوع للحساب والجزاء" (٨).

قال ابن كثير: " أي: إليك المرجع والمآب يوم يقوم الحساب" (٩).

قال الزجاج: " أي نحن مقرون بالبعْثِ" (١٠).

قال الواحدي: " هذا إقرار منهم بالبعث" (١١).

الفوائد:

١ - من فوائد الآية: أن محمداً (ص) مكلف بالإيمان بما أنزل إليه؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «أشهد أني رسول الله» (١٢)، في قصة دين جابر رضي الله عنه - كما في صحيح البخاري.

٢ - ومنها: أن القرآن كلام الله؛ لقوله تعالى: {بما أنزل إليه من ربه}؛ والمنزل هو الوحي؛ والكلام وصف لا يقوم إلا بمتكلم؛ لا يمكن أن يقوم بنفسه؛ وعلى هذا يكون في الآية دليل على أن القرآن كلام الله - الوحي الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.

٣ - ومنها: إثبات علوّ الله عز وجل؛ لأن النزول لا يكون إلا من أعلى؛ لقوله تعالى: {بما أنزل إليه}.

٤ - ومنها: إثبات رسالة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: {الرسول}، وقوله تعالى: {بما أنزل إليه من ربه}.


(١) محاسن التأويل: ٢/ ٢٤١.
(٢) أنظر: معاني القرآن للفراء: ١/ ١٨٨.
(٣) تفسير الطبري: ٦/ ١٢٨.
(٤) لم أتعرف عى قائله، والبيت من شواهد الطبري في تفسيره: ٦/ ١٢٨، ومعاني القرآن للفراء ١/ ١٨٨، وشواهد العيني (بهامش الخزانة) ٤/ ٣٠٦.
(٥) معاني القرآن: ١/ ١٨٨.
(٦) معاني القرآن: ١/ ٣٦٩.
(٧) تفسير الطبري: ٦/ ١٢٧.
(٨) محاسن التأويل: ٢/ ٢٤١.
(٩) تفسير ابن كثير: ١/ ٧٣٧.
(١٠) معاني القرآن: ١/ ٣٦٩.
(١١) الوسيط: ١/ ٤٩.
(١٢) أخرجه البخاري ص ٤٦٩، كتاب الأطعمة، باب ٤١: الرطب والتمر وقول الله تعالى: (وهزي إليك بجزع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً)، حديث رقم ٥٤٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>