للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: ولذلك جمع بين الرحمن والرحيم، ليزول الالتباس، فعلى هذا يكون الأصل فيه تقديم الرحيم على الرحمن لعربيته، لكن قدَّم الرحمن لمبالغته.

وحكي عن ثعلب أنه قال: "إن جمهور العرب كانوا لا يعرفون "الرحمن" في الجاهلية، الدليل على هذا أنهم لما سمعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكره قالوا: ما نعرف الرحمن إلا رجلًا باليمامة (١)، وذلك قوله تعالى: {قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ} [الفرقان: ٦٠] وإنما يذكر بعض الشعراء الرحمن في الجاهلية، إذ لقنه من أهل الكتاب، أو أخذه عن بعض من قرأ الكتب كأمية بن أبي الصلت (٢)، وزيد بن عمرو (٣)، وورقة بن نوفل (٤)، ولا تجعل هذا حجة على ما عليه أكثرهم" (٥).

وأنكر ذلك الطبري فقال: "وقد زعم بعض أهل الغباء أن العرب كانت لا تعرف (الرحمن) ولم يكن ذلك في لغتها " (٦). ثم أنشد لبعض الجاهلية (٧):

أَلا ضربَتْ تلكَ الفتاةُ هَجِينَهَا ... أَلا قَضَبَ الرحْمَنُ رَبِّي يَمِينَهَا

وقال سلامة بن جَندلٍ السَّعْدي (٨):


(١) انظر: تفسير الطبري: ١٩/ ٢٩، وتفسير القرطبي: ١٣/ ٦٤.
(٢) واسمه عبد الله بن ربيعة بن عوف الثقفي، سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - شعره فقال: "آمن شعره وكفر قلبه" وكان يخبر أن نبيا يخرج قد أظل زمانه، فلما خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - كفر به حسدا، ومات كافرا سنة ثمان أو تسع.
انظر: "الشعر والشعراء" ص ٣٠٠، "طبقات فحول الشعراء" ص ١٠١، "الاشتقاق" ص ١٤٣، "الخزانة" ١/ ٢٤٧.
(٣) زيد بن عمرو بن نفيل، والد سعيد بن زيد أحد العشرة، مات قبل المبعث. انظر: "الإصابة" ١/ ٥٦٩، "تجريد أسماء الصحابة" ١/ ٢٠٠.
(٤) هو ورقة بن نوفل بن أسد، ابن عم خديجة رضي الله عنها، قال ابن منده: اختلف في إسلامه، والأظهر أنه مات قبل الرسالة، وبعد النبوة وكذا قال الذهبي في "تجريد أسماء الصحابة" ٢/ ١٢٨، وانظر: "الإصابة" ٣/ ٦٣٣، "الخزانة" ٣/ ٣٩١.
(٥) حكاه عنه الواحدي في التفسير البسيط: ١/ ٤٥٦ - ٤٥٧، ولم أجده، ولعله في كتب ابن الأنباري المفقودة، وأورد نحوه الطبري في تفسيره" ١/ ١٣١، وانظر: "الاشتقاق" ص ٥٨، والماوردي في "تفسيره" ١/ ٥٢، والقرطبي في "تفسيره" ١/ ١٠٤.
(٦) تفسير الطبري: ١/ ١٣١، كما انكر ذلك الزجاجي في "اشتقاق أسماء الله" ص ٤٢، وابن سيده في "المخصص" ١٧/ ١٥١ وغيرهم.
(٧) لم أتعرف على قائله، واستشهد به ابن سيده في المخصص ١٧: ١٥٢، وعلق على البيت محمد محمود التركزي الشنقيطي، وادعى أن البيت مصنوع، وأن " بعض الرجال الذين يحبون إيجاد الشواهد المعدومة لدعاويهم المجردة، صنعه ولفقه، وأن الوضع والصنعة ظاهران فيه ظهور شمس الضحى، وركاكته تنادي جهارًا بصحة وضعه وصنعته، والصواب وهو الحق المجمع عليه، أن الشاعر الجاهلي المشار إليه، هو الشنفرى الأزدي، وهذا البيت ليس في شعره "، وأنه ملفق من قول الشنفرى: أَلا لَيْتَ شِعْرِي، والتَلهُّفُ ضَلَّةٌ ... بما ضَرَبَتْ كَفُّ الفَتَاةِ هَجِينَهَا
والشنقيطي رحمه الله كان كثير الاستطالة، سريعًا إلى المباهاة بعلمه وروايته. والذي قاله من ادعاء الصنعة لا يقوم. وكفى بالبيت الذي يليه دليلا على فساد زعمه أن الدافع لصنعته: إيجاد الشواهد المعدومة، لدعاوى مجردة. وليس في البيت ركاكة ولا صنعة. [حاضية الطبري: ١/ ١٣١].
(٨) ديوانه: ١٩، وقد جاء في طبقات فحول الشعراء: ١٣١ في نسب الشاعر: سلامة بن جندل بن عبد الرحمن "، وهذه رواية ابن سلام، وغيره يقول: " ابن عبد "، فإن صحت رواية ابن سلام، فهي دليل آخر قوي على فساد دعوى الشنقيطي.

<<  <  ج: ص:  >  >>