للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨)} [آل عمران: ٨]

التفسير:

ويقولون: يا ربنا لا تَصْرِف قلوبنا عن الإيمان بك بعد أن مننت علينا بالهداية لدينك، وامنحنا من فضلك رحمة واسعة، إنك أنت الوهاب: كثير الفضل والعطاء، تعطي مَن تشاء بغير حساب.

قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: ٨]، " أي: لا تملها عن الهدى بعد إذ أقمتها عليه" (١).

قال محمد بن إسحاق: " أي: لا تمل قلوبنا وإن ملنا بأحداثنا" (٢)، "بعد ما بصرتنا من الهدى فيما جاء به أهل البدعة والضلالة" (٣).

قال مقاتل: " يعني: لا تحول قلوبنا عن الهدى بعد ما هديتنا كما أزغت اليهود عن الهدى" (٤).

قال الزجاج: " أي لا تمِلْها عن الهدى والقَصْد، أي لا تضلَّنَا بعد إذ هديتنا، وقيل أيضاً: {لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا}: لا تَتَعبَّدْنا بما يكون سبباً لزيغ قلوبنا وكلاهما جيد" (٥).

قال الزمخشري: " لا تبلنا ببلايا تزيغ فيها قلوبنا (٦) [بعد إذ] أرشدتنا لدينك، أو لا تمنعنا ألطافك بعد إذ لطفت بنا" (٧).

قال السعدي: " أي: لا تملها عن الحق جهلا وعنادا منا، بل اجعلنا مستقيمين هادين مهتدين، فثبتنا على هدايتك وعافنا مما ابتليت به الزائغين" (٨).

قال القاسمي: أي: " ولا تجعلها كالذين في قلوبهم زيغ، الذين يتبعون ما تشابه من القرآن، ولكن ثبتنا على صراطك المستقيم" (٩).

وقرئ: " {لا تزغ قلوبنا}، بالتاء والياء ورفع {القلوب} " (١٠).

عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: " "يا مُقَلِّبَ القلوب ثَبِّتْ قلبي على دينك" ثم قرأ: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} " (١١).

قوله تعالى: {وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً} [آل عمران: ٨]، أي: امنحنا من فضلك وكرمك رحمةً تثبتنا بها على دينك الحق" (١٢).

قال ابن كثير: " أي: من عندك {رَحْمَةً} تثبت بها قلوبنا، وتجمع بها شملنا، وتزيدنا بها إيمانًا وإيقانًا" (١٣).

قال السعدي: " أي: عظيمة توفقنا بها للخيرات وتعصمنا بها من المنكرات" (١٤).

قوله تعالى: {إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: ٨]، أي: " كثير النعم والإفضال، جزيل العطايا والنوال" (١٥).

قال السعدي: " أي: واسع العطايا والهبات، كثير الإحسان الذي عم جودك جميع البريات" (١٦).


(١) تفسير ابن كثير: ٢/ ١٣.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٢٢١): ص ٢/ ٦٠١.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٢٢٤): ص ٢/ ٦٠٢.
(٤) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٢٦٤.
(٥) معاني القرآن: ١/ ٣٧٩.
(٦) وقال المقق-رحمه الله-" أما أهل السنة فيدعون اللَّه بهذه الدعوة غير محرفة، لأنهم يوحدون حق التوحيد، فيعتقدون أن كل حادث من هدى وزيغ مخلوق للَّه تعالى. وأما القدرية فعندهم أن الزيغ لا يخلقه اللَّه تعالى وإنما يخلقه العبد لنفسه، فلا يدعون اللَّه تعالى بهذه الدعوة إلا محرفة إلى غير المراد بها كما أولها المصنف به، وإن كنا ندعو اللَّه تعالى مضافا إلى هذه الدعوة بأن لا يبتلينا ولا يمنعنا لطفه آمين، لأن الكل فعله وخلقه، ولا موجود إلا هو وأفعاله، التي نحن وأفعالنا منها". [الكشاف: ١/ ٣٣٩].
(٧) الكشاف: ١/ ٣٣٩.
(٨) تفسير السعدي: ١٢٢.
(٩) محاسن التأويل: ٢/ ٢٨٦.
(١٠) الكشاف: ١/ ٣٣٩.
(١١) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٢٢٢): ص ٢/ ٦٠١ - ٦٠٢، والطبري (٦٦٥٠): ص ٦/ ٢١٣. اسناده صحيح.
(١٢) صفوة التفاسير: ١/ ١٦٨.
(١٣) تفسير ابن كثير: ٢/ ١٣.
(١٤) تفسير السعدي: ١٢٢.
(١٥) محاسن التأويل: ٢/ ٢٨٦.
(١٦) تفسير السعدي: ١٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>