للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الزجاج: " جائز أن يكون حكاية عن الموحدين، وجائز أن يكون إخباراً عن اللَّه، وجائز فتح {أن اللَّه لا يخلف الميعاد}، فيكون المعنى" جامع الناس لأنك لا تخلف الميعاد، أي: قد أعلمتنا ذلك ونحن غير شَاكِّين فيه" (١).

قال الواحدي: " ولا يدل هذا على تخليد مرتكبي الكبائر من المسلمين في النار، وإن وعد ذلك بقوله: {ومن يعص الله ورسوله} [النساء: ١٤]. الآية؛ لأن المراد بالميعاد ههنا يوم القيامة، لأن الآية وردت في ذكره. أو يحمل هذا على ميعاد الأولياء دون وعيد الأعداء؛ لأن خلف الوعيد كرم عند العرب، والدليل: أنهم يمدحون بذلك، ومنه قول الشاعر (٢):

إذا وعد السراء أنجز وعده ... وإن وعد الضراء فالعفو مانعه

قال الأصمعي: جمعنا بين أبي عمرو بن العلاء، وبين محمد بن مسعود الفدكي، فقال أبو عمرو: ما تقول؟ قال: أقول: إن الله وعد وعدا، وأوعد إيعادا، فهو منجز إيعاده، كما هو منجز وعده. فقال أبو عمرو: إنك رجل أعجم، لا أقول: أعجم اللسان، ولكن أعجم القلب. إن العرب تعد الرجوع عن الوعد لؤما، وعن الإيعاد كرما، وأنشد (٣):

وإني وإن أوعدته أو وعدته ... ليكذب إيعادي ويصدق موعدي

أو تقول: هذا عام في وعيد الأولياء، ووعيد الكفار، فأما مرتكبو الكبائر، فهم مخصوصون بقوله تعالى: {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: ٤٨] " (٤).

الفوائد:

١ - أن يوم القيمة آت لاريب فيه؛ لقوله: {ليوم لاريب فيه}، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران: ٩].

٢ - ومنها: تمام قدرة الله سبحانه وتعالى بجمع الناس كلهم في هذا اليوم؛ ومع هذا فإن هذا الجمع لا يحتاج إلى مدة {فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة} [النازعات: ١٣ - ١٤].

٣ - ومنها: حكمة الله عزوجل في جمع الناس لهذا اليوم؛ لأن هذا الجمع له ما بعده وهو جزاء كل عامل بما عمل كما قال تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التغابن: ٩ - ١ - ]، إذا فهذا الجمع لحكمة وهو: جزاء العامل بعمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر.


(١) معاني القرآن: ١/ ٣٧٩.
(٢) البيت، لأبي الحسن، السري بن أحمد بن السري الكندي الرفاء الموصلي. وهو في: "ديوانه" ٢/ ٣٦٨. وورد منسوبا له، في "يتيمة الدهر" ٢/ ١٥٦. وروايته في "الديوان" "واليتيمة": ( .. وإن أوعد الضراء .. ).
(٣) البيت لعامر بن الطفيل، وهو في "ديوانه" ٥٨. وقد ورد منسوبا له، في "العقد الفريد" لابن عبد ربه: ١/ ٢٨٤، وأورده بنفس رواية المؤلف: "يتيمة الدهر" للثعالبي: ٢/ ١٥٧، "لسان العرب" ٢/ ١٠٩٨ (ختأ)، ٨/ ٤٨٧١ (وعد)، ٢/ ١١٠٣ (ختا)، "تاج العروس" ١/ ١٤٣ (ختأ)، ١٩/ ٣٦٩ (ختا). كما ورد غير معزو، في "عيون الأخبار" لابن قتيبة: ٢/ ١٤٢، "ضرورة الشعر" للسيرافي، تحقيق د. رمضان عبد التواب: ١٣٨، "مجالس العلماء" للزجاجي: ٦٢، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٩١٥ (وعد)، "الصحاح" ٢/ ٥٥١ (وعد) "طبقات النحويين واللغويين" للزبيدي: ٣٩، "العمدة" لابن رشيق: ١/ ٥٨٩، "الحماسة البصرية" لصدر الدين البصري: ٢/ ٣٠. وروايته في "الديوان":
وإني إن أوعدته أو وعدته ... لأخلف إيعادي وأنجز موعدي
وبرواية أخرى:
لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
كما ورد في "اللسان" ١/ ٦٣ كالآتي:
ليأمن ميعادي ومنجز موعدي
وانظر الفرق بين (وعد) و (أوعد) في: "ما تلحن فيه العامة" للكسائي: ١١٠، "مجاز القرآن" لأبي عبيدة: ٢/ ١٨٩، "أدب الكاتب" لابن قتيبة: ١/ ٢٧٢، "مجالس ثعلب" ١/ ٢٢٧، "والخاطريات" لابن جني: ١٩٨، "خزانة الأدب" للبغدادي: ٥/ ١٨٩، ١٩٠. وانظر مادة (وعد) في "تهذيب اللغة" "الصحاح" "اللسان". وقد وردت هذه المحاورة في "عيون الأخبار" ٢/ ١٤٢، "مجالس العلماء" ٦٢، "طبقات النحويين واللغويين" ٣٩، "إنباه الرواة" ٤/ ١٣٣، "مدارج السالكين" لابن القيم: ١/ ٣٩٦، "ميزان الاعتدال" للذهبي: ٤/ ١٩٨، ١٩٩، "لوامع الأنوار" للسفاريني: ١/ ٣٧١.
(٤) التفسير البسيط: ٥/ ٦٥ - ٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>