للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقرئ: {والأرحامُ} بالحركات الثلاث، وقراءة العامة بالنصب، أي: واتقوا الأرحام أن تقطعوها، وقرأ حمزة بالخفض، أي: به وبالأرحام كما يقال: سألتك بالله والأرحام، والقراءة الأولى أفصح لأن العرب لا تكاد تنسق بظاهر على مكنى، إلا أن تعيد الخافض فتقول: مررت به وبزيد، إلا أنه جائز مع قلته (١).

قال البيضاوي: " وقد نبه سبحانه وتعالى إذ قرن الأرحام باسمه الكريم على أن صلتها بمكان منه" (٢).

وعن عائشة-رضي الله عنها-، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله" (٣).

قال الزمحشري: " وسئل ابن عيينة عن قوله عليه الصلاة والسلام «تخيروا لنطفكم» (٤)، فقال: يقول لأولادكم، وذلك أن يضع ولده في الحلال، ألم تسمع قوله تعالى {واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام}، وأول صلته أن يختار له الموضع الحلال، فلا يقطع رحمه ولا نسبه فإنما للعاهر الحجر، ثم يختار الصحة ويجتنب الدعوة، ولا يضعه موضع سوء يتبع شهوته وهواه بغير هدى من الله" (٥).

قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: ١]، أي: " إن الله مراقب لجميع أحوالكم" (٦).

قال البيضاوي: أي: " حافظا مطلعا" (٧).

قال مقاتل: " يعنى: حفيظا لأعمالكم" (٨).

قال الواحيد: " أَيْ: حافظاً يرقب عليكم أعمالكم فاتَّقوه فيما أمركم به ونهاكم عنه" (٩).

قال الطبري: أي: " إنّ الله لم يزل عليكم رقيبًا، ويعني بقوله: {رقيبًا}، حفيظًا، مُحصيًا عليكم أعمالكم، متفقدًا رعايتكم حرمةَ أرحامكم وصلتكم إياها، وقطعكموها وتضييعكم حرمتها" (١٠).

قال أبو السعود: " أي مراقبا وهي صيغة مبالغة من رقب يرقب رقبا إذا أحد النظر لأمر يريد تحقيقه أي حافظا مطلعا على جميع ما يصدر عنكم من الأفعال والأقوال وعلى ما في ضمائركم من النيات مريدا لمجازاتكم بذلك وهو تعليل للأمر ووجوب الامتثال به وإظهار الاسم الجليل لتأكيده وتقديم الجار والمجرور لرعاية الفواصل" (١١).

قال القاسمي: " أي: مراقبا لجميع أحوالكم وأعمالكم. يراها ويعلمها فلا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء. كما قال: والله على كل شيء شهيد، وفي الحديث: «اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» (١٢) " (١٣).

وفي تفسير قوله تعالى: {رَقِيبًا} [النساء: ١]، قولان:

أحدهما: معناه: " حفيظا". قاله مجاهد (١٤)، وروي عن قتادة، ومقاتل ابن حيان والثوري نحو ذلك (١٥).

والثاني: معناه: عليما، قال ابن زيد في قوله: " {إن الله كان عليكم رقيبًا}، على أعمالكم، يعلمها ويعرفها" (١٦).

قال الراغب: " وكلاهما صحيح، فحافظ الشيء يقتضي أن يكون عالما به ليمكنه أن يحفظه، وبين بقوله: {كان عليكم رقيبا}، أنه قبل أن خلقكم وأوجدكم كان مراعيا لكم، تنبيها أنه لا يخفى عليه أمركم في كل حال" (١٧).


(١) انظر: تفسير الطبري: ٧/ ٥١٩، وتفسير الثعلبي: ٣/ ٢٤١، وتفسير البغوي: ٢/ ١٥٩، والكشاف: ١/ ٤٦٢، وتفسير البيضاوي: ٢/ ٥٨.
(٢) تفسير البيضاوي: ٢/ ٥٨.
(٣) أخرجه أحمد: ٦/ ٦٢، والبخاري: ٨/ ٧، وفي (الأدب المفرد) (٥٥)، ومسلم: ٨/ ٧.
(٤) أخرجه ابن ماجة (١٩٦٨) ..
(٥) الكشاف: ١/ ٤٦٣.
(٦) التفسير الميسر: ٧٧.
(٧) تفسير البيضاوي: ٢/ ٥٨.
(٨) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٥٥.
(٩) الوجيز: ٢٥١.
(١٠) تفسير الطبري: ٧/ ٥٢٣.
(١١) تفسير أبي السعود: ٢/ ١٣٩.
(١٢) أخرجه البخاري (٤٦) ..
(١٣) محاسن التأويل: ٣/ ٨.
(١٤) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٤٧٢٧): ص ٣/ ٨٥٤.
(١٥) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٤٧٢٧): ص ٣/ ٨٥٤.
(١٦) أخرجه الطبري (٨٤٣٥): ص ٧/ ٥٢٣.
(١٧) تفسير الراغب الأصفهاني: ٣/ ١٠٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>